الجهل جزء من شخصية الإنسان

بقلم ( كامل سلمان )

ليس كل جهل حالة سلبية في الإنسان ، لإن الإنسان بطبيعته لا يستطيع معرفة وتعلم كل شيء ، فالمهندس بالنسبة للطبيب جاهل بأمور الطب وكذلك العامل بالنسبة للفلاح وحتى خصوصيات المرأة بالنسبة للرجل وهكذا فالجهل هو شيء طبيعي وجزء ملازم لشخصية الإنسان ، وهذا يعني كل شيء يحتاج فيه الإنسان الى دراسة اكاديمية او تعليمية لكي يتعلم ، ومن المستحيل ان يتعلم كل شيء ، ويبقى الجهل لغير المتخصص شيء طبيعي ، ولكن الجهل الاخر وهو الجهل غير الطبيعي الذي إذا جهله الإنسان سيسبب كوارث وآلام للنفس وللمجتمع ، مثلا الجهل بإن النار تحرق إذا وضعت أصبعك فيها سيحترق اصبعك او الجهل بأن القفز من مكان شاهق يؤدي الى الهلاك فإذا قفزت من مكان شاهق ستهلك او الجهل بأن سلوك الطريق المتعرج وتفضيله على الطريق السوي فيه مخاطر ، فهذه الانواع من الجهل وغيرها لا تحتاج الى دراسات اكاديمية لتعلمها بل هي جزء من ديمومة الحياة ومن النشاطات اليومية للحياة وهي اشياء متعلقة بنجاة النفس من المهالك ، وهي من بديهيات التعلم والادراك عند البشر .
الجهل الذي نحاربه ونحاول استئصاله من نفوس الناس هو ذلك التفكير والسلوك الانقيادي الاعمى الذي تكون نتائجه سلبية على ذات الشخص الجاهل وعلى المجتمع ، وهو نفس الجهل الذي يقف بالضد من الوعي ويغالط الحقائق . وهذا النوع من الجهل له مغذيات ومقومات ، وله بيئة حاضنة ، واول الحاضنات له اصحاب المصالح الخاصة افراد او مؤسسات ، الفاسد المتحايل لا يستطيع ان يجبر احد ما للنزول عند افكاره المنحرفة فيما إذا كانت أفكاره منحرفة مالم تكون عنده قدرة إقناع عالية وقدرة الإقناع هذه تحتاج الى لباقة كلام ومكيدة وحيل مشروعة ولكن رغم ذلك تبطلها الثقافة او الوعي الموجودة عند الاخرين ، فلكل داء دواء ودواء الافكار المنحرفة الثقافة او الوعي او كلاهما ، إذا لابد للمتحايل ان يسعى اولا من تجفيف الثقافة والوعي لكي تسري الأفكار المنحرفة في عقول الناس ويتم ذلك من خلال خلق الفقر والفاقة والحرمان وطرح الخزعبلات بدلا عن العلم لكي يستطيع فرض الاراء والافكار الميتة ، فالحرمان بيت الداء ومصدر البلاء . هكذا يبدأ الصراع من اجل الاخضاع ، وقد اثبتت التجارب بأن تسخير الدين ورجال الدين في هذه المعركة يمكن ان تحسم الامور بشكل مبكر ، لأن الدين في كل الاحوال لا أعتراض عليه والجميع يبدي احترامه للدين لأنه واقع حال وجزء من تراث وشخصية المجتمع ، ومن يتحكم في الدين يتحكم بالمقود على الاقل في هذه المرحلة او هذا الزمان ….
هناك صنف من الجهل يخضع للوعي ولا يمكن تسميته جهل ضار لأنه تحت سلطة الوعي ومثال على ذلك انا جاهل في قيادة السيارة فأعلن بأنني غير قادر على قيادة السيارة وابتعد عن هذا الفعل حفاظا على نفسي وحفاظا على ارواح الناس وحفاظا على السيارة ، فقراري هذا هو عين الوعي ، ومعنى ذلك ان الوعي غطى نقص الجهل ورفع من مكانتي بين الناس بدل ان يحط من مكانتي فيتحول جهلي بقيادة السيارة الى شخص غير ضار بل شخص نافع ، وهذا يدل على ان الوعي هو الاساس وهو الذي يحتاجه المجتمع فهو يقتل الجهل في المهد . هذا يبعدنا كثيرا عن الرأي المطروح عبر مئات السنين بين الناس وفي مختلف المجتمعات بإن المشكلة الاساسية دائما هو الجهل ولكني أرى هنا المشكلة الاساسية قلة وضعف الوعي ، فأنت مهما تعلمت ودرست ستبقى بنسبة معينة إنسان جاهل ولكن ان قل او ضعف وعيك فقد فعلت وأحييت اضرار الجهل التي قد تكون قليلة الاهمية في اكثر المواضع وعملية بناء وتطوير الوعي عند الإنسان هي نفس عملية بناء القدرة النقدية عند الإنسان ، ومنها ان لا تصدق الكلام بدون دليل ومنها ان تقارن ما تسمع وما ترى مع الرأي العلمي ومثال على ذلك في التأريخ الإنساني والتراث الديني ان الزنا او اللواطة يتم التحقق منه من خلال الشهود وهذا ما سارت عليه الشرائع والانظمة على طول التأريخ ولكن اليوم فأن الطب العدلي يستطيع تكذيب حتى الشهود ان اتفقوا على الايقاع بالضحية فالفحص الطبي من خلال التطور العلمي قادر على حسم الامور والبت بها دون الحاجة الى الشهود ، وكذلك من اساليب تطوير الوعي ان تقارن الاعمال بالنتائج ، هذه الامور وغيرها لا يمكن تفعيلها في عقل الإنسان في ليلة وضحاها لذلك نرى المدارس والمؤسسات التعليمية في المجتمعات المتقدمة خطت خطوات كبيرة بهذا الاتجاه وقد صرفت اموال طائلة من ميزانيات الدول لتحقيق هذا الهدف ، فمع تحقيق هذا الهدف نكون قد أخرجنا الناس من الظلمات الى النور . ونكون قد اعطينا فهم أخر للجهل الذي نتحدث عنه كثيرا ولم نعالجه الا قليلا .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here