على قدر أهل العزم..

ساهر عريبي

[email protected]

لا يسع الزائر لدولة قطر إلا أن يفاجأ بحجم التطور الذي شهدته البلاد خلال عقود قلائل منذ نيلها الاستقلال مطلع السبعينات من القرن الماضي. فلقد تحولت الإمارة من صحراء قاحلة إلى دولة عصرية فاقت في بعض المجالات دولا أوروبية عدة, من تلك المجالات الخدمات الإلكترونية. إذ يمكن عبر تطبيق واحد يدعى( مطراش) إنجاز معاملات عدة, وعلى سبيل المثال لا الحصر,تمديد الإقامة و التقديم على جواز السفر للمواطنين ونقل ملكية السيارة وتسديد المخالفات المرورية وإلى غير ذلك من الخدمات التي تغني عن مراجعة الدوائر الحكومية.

إلا أن ما يلفت الأنظار, النهضة العمرانية التي شهدت قفزة ملحوظة في الإمارة منذ منحها عام 2010 حق تنظيم بطولة كأس العالم لهذا العام. لا يعد قبول هذا التحدي أمرا اعتياديا بالمقاييس الطبيعية, مع الأخذ بنظر الاعتبار أنها دولة صغيرة المساحة (نحو 12 الف كيلومتر مربع) وتعداد مواطنيها أكثر من 300 ألف نسمة بقليل, وتعداد سكانها نحو 3 ملايين نسمة فضلا عن كونها دولة حديثة العهد. إذ لا يعني تنظيم أهم بطولة عالمية مجرد بناء ملاعب, بل بنية تحتية متكاملة تشمل وسائل النقل والكهرباء والماء والخدمات الصحية وأماكن السكن والمطارات والأماكن الترفيهية والأمن وغير ذلك من المتطلبات.

أستطيع أن أجزم بأن قبول قطر لهذا التحدي كان نقطة تحول في تاريخ هذا البلد , تكاد أن تصنف ضمن المعجزات, إذ لا تجرؤ دول عدة ممن لديها إمكانيات مادية وتقنية ضخمة على التقدم بمثل هذا الطلب لكن قطر فعلت. نجحت خلال 12 عاما في بناء وتطوير 8 ملاعب كرة قدم تمثل تحفة معمارية جمعت بين الأصالة والحداثة. انتهت من إنشاء شبكة مترو تسهل الانتقال بين الملاعب, وتتيح مشاهدة أكثر من مباراة في يوم واحد,وهناك شبكة الطرق السريعة التي تربط أرجاء البلاد والمنظمة بدقة. كما بنيت أعداد كبيرة من الفنادق الحديثة والعمارات السكنية منذ العام 2010.

حققت قطر أهدافها حتى قبل أن تبدأ بطولة كأس العالم لكرة القدم في 20 من الشهر الجاري وأهمها نهضتها العصرية والخبرة التي اكتسبتها, فما أنجزته خلال عقد من الزمن يفوق ما حققته بلدان عدة في المنطقة خلال هذه المدة الوجيزة بل وحتى بأضعافها, فهناك دول لا تقل خيراتها عن خيرات قطر لكنها متخلفة على مختلف الصعد لأن الفساد والفشل ينخرها, وهناك دول لديها الإمكانيات ولكنها تفتقر للرؤية المستقبلية أو للثقة بالنفس والعزيمة فهي المنطلق كما قال الشاعر أبا محسد أبي الطيب المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here