البحرين الانتفاضة المظلومة !

نجاح محمد علي

عندما اندلع ما أصبح يعرف بالربيع العربي ، استغلت جهات وأطراف دولية معروفة احتجاجات الشعوب المطلبية الصادقة ورغبتها في الاصلاح والتغيير ونهضت ضد الأنظمة الديكتاتورية المستبدة ، مطالبة بحقوقها المشروعة في العدالة والحرية والكرامة والمساواة ، كان الشعب البحريني الأكثر تعرضاً للظلم لأن انتفاضته كانت محلية الصنع لم تتأثر بعامل إقليمي أو دولي قط.
في فبراير/ شباط من عام 2011، بدا أن البحرين ستكون أولى دول الخليج العربية التي كانت تطالب بالاصلاح ، قبل ما اصطلح عليه باسم “الربيع العربي”.إذ انطلقت الجماهير البحرينية بمظاهرات سلمية لم تكن الأولى ولكنها كانت الأشد، وحسب أرقام للحكومة البحرينية ذاتها ، خرج في الأيام الأولى إلى الشوارع ما يصل إلى ثلث سكان البلاد الذي يزيد قليلاً عن مليون نسمة، لكن الحكومة تمكنت في 18 مارس/ آذار من تلك السنة من هدم رمز الحراك وهو دوار اللؤلؤة في المنامة العاصمة. قوبل الحراك السلمي بالعنف المسلح من قبل القوات الأمنية الحكومية المدعومة من قوات “درع الجزيرة” بقيادة الجيش السعودي خاصة، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى ، وكان العالم وعموم المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان في الغرب خصوصاً في صمت وسبات وكأن على رؤوسهم الطير.

لقد فضحت انتفاضة البحرين ازدواجية المطالبين بحقوق الانسان والمنادين الى العدل والمساواة ورفض التمييز الطائفي من حكومات، وإعلاميين، ومؤسسات دينية. أزاحت انتفاضة البحرين قناع الطائفية عن أولئك الذين ساندوا “ثورات الربيع العربي ” و خذلوها. و كشفت بما لايقبل الشك أن الحكومات العربية و الجهات والأحزاب والقيادات الدينية السنية أيدت ثورات الربيع العربي لأنها سني، ليس فيها شيعة، و و أنها وقفت ضد انتفاضة الشعب البحريني ، لأن لأن غالبيته من الشيعة. هذا الموقف اتخذته تلك الجهات والقيادات السنية من الانتفاضة الشعبانية للعراقيين عام 1991 ، والسبب واحد هو لأن المنتفضين كانوا شيعة رغم معاداة تلك الأطراف والحكومات لصدام ونظامه الديكتاتوري .

فالشعب البحريني، يعاني من تمييز طائفي وانتهاك لحقوقه ممنهج ومفضوح ، و يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في كافة المجالات ، بل وحتى يفضل عليهم الهنود وغيرهم من الأجانب في وظائف الدولة، ومحرم عليهم دخول القوات المسلحة . لذلك كان الشعب البحريني ينتفض باستمرار و منذ عشرات السنين إلى أن تصاعد مع اندلاع موجات “الربيع العربي”.
شهدت البحرين سلسلة احتجاجات وصلت إلى يوم غضب عام في 14 فبراير/شباط من عام 2011 شارك فيها جزء من الأقلية السنية بالرغم من أن أسرة آل خليفة السنية تحكمها ، ولكن تلك الدولة الخليجية الصغيرة، هي مقر الأسطول الخامس الأمريكي. والقاعدة تعرف بميناء سلمان، وبجانبها أول قاعدة بريطانية دائمة في الشرق الأوسط منذ عام 1971 والتي تم افتتاحها عام 2018.
وتبعث البحرين بأمرائها لتلقي التدريب العسكري في الأكاديمية الملكية الحربية في بريطانيا، حتى أن إحدى قاعاتها سميت باسم الملك حمد، حاكم البحرين الذي تلقى تدريبه هناك.

اتفق الجميع على تهميش الأغلبية الشيعية في البحرين ، ولم يعترض رواد “الربيع العربي” السنّة على ممارسات السلطة القمعية ومنها تجريد الآلاف من الجنسية لمجرد أنهم شيعة،و منحتها لعرب وأجانب من هنود و بلوش وباكستانيين وإيرانيين فقط لأنهم سنّة ، للتخلص من “فزاعة” الأغلبية الشيعية من مواطنيها.
برز التعامل الطائفي مع انتفاضة البحرين في مواقف كبار علماء الدين السنّة الذين أيدوا “ربيع” تونس وليبيا ومصر ، وبلغ الأمر بالشيخ يوسف القرضاوي الى مهاجمة انتفاضة الشعب البحريني ووصفها بالطائفية وهو الذي كان أصدر فتوى أباح فيها قتل الزعيم الليبي معمر القذافي وكذلك فعل مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد أن كفّره لأنه “علوي”.
قال القرضاوي إن انتفاضة البحرين ضد أهل السنة، ولخدمة إيران ويجب مقاومتها بشتى الوسائل، وقال ما نصه : «ما يحدث في البحرين ثورة طائفية لذا لا أقف إلى جانبها كما فعلت مع باقي الثورات… ».

وسط هذا الركام الطائفي المقيت يبرز رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود. منذ بدايات الغضب الشعبي في البحرين دعا الشيخ ماهر حمود ملك البحرين الى التراجع عن خطواته في سلب الجنسية عن المواطنين الشيعة المعترضين والافراج عن المعتقلين منهم وقال حينها ، إن الملك إذا فعل ذلك سيستفيد ، ويغطي انحرافه وانتهاكاته لحقوق الانسان.أكد الشيخ ماهر حمود مراراً أن التمييز في البحرين سيعود بردة فعل وصفاً الاعتداء على منزل آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم وسلبه جنسيته وترحيله، بأنه أمر مدان ومستنكر لأنه يتنافى مع أبسط مبادئ الحقوق الانسانية.
وحول الخيار الأمني الذي تنتهجه السلطة في البحرين، رأى الشيخ حمود أنه لا يساهم في حل الأزمة،لافتًا الى أن الجميع يوافق على مطالب شعب البحرين ولا يعطيها الابعاد المذهبية التي يحملونها إياها. وحذر هذا العالم السني الجليل من أن التمييز الطائفي في البحرين سيعود بردة فعل سيئة على المشهد القائم.
نعم ، إن الأكثرية التي تحتج على سياسات السلطة القمعية الطائفية في البحرين هم من الشيعة وذلك لسبب واضح وبسيط ، وهو أن غالبية الشعب البحريني من الشيعة . لذلك فالاضطهاد ضدهم مضاعف، ولكن في نفس الوقت هناك من السنْة شاركوا في الانتفاضة وطالبوا بالإصلاح ، وهو مطلب شعبي لايمكن لمنتدى يحضره بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر وتستضيفه المنامة أن يشوهه .

في خطبة الجمعة الأخيرة انتقد رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود مشاركة شيخ الازهر والبابا في منتدى البحرين التطبيعي قائلًا : “نحترم ونجل شيخ الأزهر أحمد الطيب، لعلمه وسلوكه واخلاقه العالية، كما نعتبر أن بابا الفاتيكان يعبر عن مواقف أفضل بكثير من الكنائس المحلية فيما يعني قضايانا الوطنية، كما أنه قام بعدة مبادرات تستحق التقدير والاحترام، ولكن ذهاب البابا مع شيخ الأزهر الى البحرين لاطلاق وثيقة سلام عالمي أمرٌ مستهجن، حيث تورطت مملكة البحرين بتطبيع بشع يناقض أبسط المبادئ الانسانية، كما أنها متورطة في ظلم {أكثر من } نصف الشعب البحريني بسبب الخلاف المذهبي.تمنى الشيخ ماهر حمود ” أن يتم التراجع عن هذه الخطوة، التي سيستفيد منها ملك البحرين ليغطي انحرافه وانتهاكاته لحقوق الانسان”.

أكد الشيخ ماهر حمود ذلك العالم الديني السنّي في مواقفه ،أن انتفاضة البحرين ظُلمت لأنها شيعية ، كاشفاً كما فعلت مواقف الطائفيين العرب السنّة ، كذب ماكنة الإعلام العربي الممول من دول مارست القمع والتمييز الطائفيين كالسعودية التي تروج الى أن ما يجري في البحرين هو من تمثيل وإخراج وسيناريو المخابرات الإيرانية، وبرعاية الحرس الثوري، وتمويل من مراجع الشيعة في قم والنجف.

كان إصدار تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 هو المَعْلَم الرئيس على نهج السلطة الطائفي ومظلومية الشيعة في البحرين. إذ يتَّهم التقرير، الذي صدر بتكليف من الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أفراد الأمن بالاعتماد على القوّة المفرطة لقمع الانتفاضة ويحدّد خطوات واضحة جداً يتعيّن على الحكومة البحرينية اتّخاذها.

أصدرت اللجنة تقريراً يتكون من 500 صفحة في 23 نوفمبر 2011 من خلال الاستماع إلى 9 آلاف شخص وعرض الأحداث بتسلسل زمني ووثق 46 حالة وفاة و559 مزاعم التعذيب وأكثر من 4 ألاف تسريح من العمل بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات. انتقد التقرير قوات الأمن في العديد من الحالات عندما استخدمت القوة والأسلحة النارية بطريقة مفرطة في مناسبات عديدة لا لزوم لها وغير متناسبة وبلا تمييز. وجدت اللجنة أن بعض التجاوزات مثل تدمير الممتلكات لا يمكن أن يكون قد حدث دون علم المراتب العليا من هيكل القيادة.
أكدت اللجنة استخدام الحكومة البحرينية التعذيب المنهجي وغيره من أشكال الإيذاء البدني والنفسي على المعتقلين فضلا عن غيره من انتهاكات حقوق الإنسان. كما رفضت اللجنة ادعاءات الحكومة أن الاحتجاجات كانت بتحريض من إيران. انتقدت اللجنة لعدم الإفصاح عن أسماء الجناة في الانتهاكات وتوسيع نطاق المساءلة فقط لأولئك الذين قاموا بنشاط انتهاكات حقوق الإنسان.
إنها انتفاضة الأغلبية المظلومة في البحرين .
أليس كذلك ؟!

• نجاح محمد علي هو صحفي استقصائي مستقل من العراق يكتب عن قضايا السياسة والمجتمع وحقوق الإنسان والأمن والأقليات. ظهرت أعماله في BBC العربي والفارسي ، و RT Arabic ، وقناة العربية ، وقناة الجزيرة ، و رأي اليوم ، و القدس العربي ، و انترناشيونال بوليسي دايجست ، من بين العديد من المنافذ الإعلامية الأخرى.خبير في الشؤون الايرانية والإقليميةلمتابعته على تويتر @najahmalii

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here