المثقف العراقي والاحزاب

المثقف العراقي والاحزاب، نعيم الهاشمي الخفاجي

مشاكل العراق وأزماته السياسية ولدت مع ولادة الدولة العراقية عام ١٩٢١، ومحاولة القول أن الأزمة السياسية الحالية في العراق بدأت منذ غزو العراق عام 2003، هذه كذبة كبرى ومحاولة لطمس الحقيقة والتعتيم عليها لأسباب مذهبية وقومية، بشهادة هنري فوستر قال دمجت بريطانيا وفرنسا ثلاث مكونات غير متجانسة مع عدم تشريع دستور ليبقى العراق دولة تعاني من صراعات قومية ومذهبية ليبقى دولة فاشلة يسهل السيطرة عليه، طيلة ١٠١ عام سرقت ثروات العراق وقتل ملايين البشر وهجر الملايين، ولم تستطيع الأنظمة السياسية المتعاقبة خلق نظام سياسي مستقر وتحقيق الرفاهية الاقتصادية.

لذلك المثقف العراقي لا يمكن أن يكون له أي تأثير مهم في جمع كل المكونات ضمن مشروع وطني واحد بظل الصراعات القومية والمذهبية المتسترة خلف شعارات الوحدة الوطنية وحب العراق وماكو واحد يحب العراق مثلي….الخ من الشعارات البراقة، غالبية الأشخاص الذين يتم تقديمهم في الإعلام العراقي والعربي كمثقفين ومحللين هم ينتمون إلى أحزاب ومكونات طائفية وقومية لذلك هؤلاء تاثيرهم ضمن المكونات وضمن الجماهير الحزبية ضمن المكون الواحد والقومية الواحدة، كل افكار المفكرين الاشتراكيين والليبراليين بالعالم لانؤثر بالبيئة العراقية بسبب الصراعات القومية والمذهبية التي أراد الاستعمار جعل العراق دولة فاشلة.

هناك بعض الكتاب من اليسار يقولون دخول الكتاب والمثقفين إلى العمل السياسي والأحزاب السياسية في الحالة العراقية يعتبر محرقة المشروع الثقافي الذي يتبناه الكاتب، وقضية انتماء المثقف أو الكاتب للاحزاب بظل الصراع القومي والمذهبي الذي يعاني منه العراق يعتبر هذا الانتماء للاحزاب بدافع للانطلاق إلى الأمام، هذه كذبة كبرى.

‏‎المثقف العضوي يطرح رؤية للعالم، حسب نظرية غرامشي، الأمور بالعراق وبالعالم العربي غير مهيئة لبروز حركة ثقافية جامعة للجميع، حتى الحركات الفاشية بالدول العربية باتت غير مؤثرة بظل التشرذم العربي والإسلامي والانبطاح والذل الذي أصاب شعوب العرب وأصبحوا اذل من اي ذليل، عندما نتابع مايكتبه الإعلام العربي والعراقي بات من الصعوبة تجد مثقف عضوي مؤثر وإنما تجد قطعان من البهائم والأصنام التي تدعي اليسارية او اليمينية والدينية وبكل مسمياتها، بل نحن على وشك انقراض وخلو الساحة العراقية والعربية من المثقف العضوي المؤثر بالمجتمع، ربما تجد قلة قليلة تستطيع أن تكتب بحرية والفضل يعود أنهم يعيشون في دول غربية لجأوا إليها بسبب الظلم والاضطهاد في العقود الزمنية السابقة، حتى لو وجد قلة قليلة وربما أشخاص من المثقف العضوي المؤثر فهم رغم انوفهم عليهم الصمت والتفرج خوفاً من سياط وبنادق انصار الأنظمة العربية عميلة الاستعمار.

العراق بلد يملك خيرات تكفي لعشرة دول لكن هذا البلد رسم حدوده دول الاستعمار ووضعوه بوضع لايحسد عليه ليبقى يعاني من صراعات قومية ومذهبية ليبقى دولة فاشلة، لذلك

‏‎العمل السياسي في العراق هو تكرار لأخطاء الأنظمة السياسية السابقة الفاشلة التي حكمت العراق، لذلك كل كاتب ومثقف يدخل معترك العمل الحزبي فهو يستفيد ماديا و تبؤ مناصب لا أكثر، هناك من يقول ‏‎عدم تصدي المثقفين والنخب في العمل السياسي ادى لجعل الساحة فارغة، فمُلئت بأُناس أما متواضعين أو متدنين، فالمكان الذي لا يشغله، شخص جيد؛ سيشغله شخص آخر أقل جودة.

هذا الكلام غير واقعي وإنما انشائي لا اكثر، ونكررها للمرة المليون العراق يعاني من صراعات قومية ومذهبية المطلوب إيجاد حلول دائمة تنهي هذه الصراعات ومن ثم البدء في إجراء عملية سياسية ناجحة ويعم الأمن والسلام والاستقرار، خلال تجربتي العملية خلال ٣٢ سنة من العمل السياسي والثقافي خارج العراق وجدت لدى كل حزب مجموعة من الأشخاص هم من يتحكمون بقرارات الحزب او التجمع ويتم ابعاد كل كوادر الحزب او التنظيم عن المشاركة في رسم المشروع السياسي والمشاركة في القرار السياسي، لذلك بات العمل السياسي لدى الاحزاب والتجمعات حكر على الفئة الرديئة، وهذه الفئة تعمل لإرضاء غرورها وعقدها في التسلط والثراء، وليس لأجل التنمية والتطور. أما النخب والكفاءات والمثقفين فأصبحوا تابعين في القرار وليسوا صانعين له.

في الدول الديمقراطية التي تحكمها الدساتير وليس الأشخاص يشارك المثقفين والكتاب وأصحاب مراكز الدراسات الاستراتيجية في ‏‎المعترك السياسي لرسم السياسة الخارجية والداخلية للبلدان، لأنه ليس من المنطق ان لا يكون للمثقف دور في صناعة القرار و نحن نعلم جيداً

مدى تأثير قرارات الطبقة السياسية في المجتمع.

‏‎لا يمكن ان يكون المثقف فاعلاً دون إيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها البلد، ‏‎الانتماء إلى العمل السياسي في العراق يعني أن على المثقف والكاتب ان يجمد عقله ويضعه جانبا ويترك التفكير إلى زعيم الحزب وحتى لو كانت قراراته حمقاء رعناء مثل قرارات صدام جرذ العوجة الهالك وعارها، الكاتب والصحفي البعثي كان ولازال فاقد معنى الانسان و الإنسانية، بل هو بشر لكنه حيوان متوحش يؤيد الاجرام والقتل والتهجير والاستئصال لتلبية رغبات صدام الجرذ في العراق وإشباع غريزته العدوانية ضد الشيعة والأكراد والمسيح، وحتى بعد إسقاط نظام صدام الجرذ للأسف تجد أدعياء الثقافة يدافعون عن السياسي السارق او الفاسد او القاتل.

‏‎دور المثقف و الواعي ان يكون عمله وكلامه تنويري للشعب، ان يفهمهم و يوعيهم على ما يجري من حولهم، وهذا لا يعني بالضرورة ان ينتمي المثقف و الواعي لأي حركة سياسية.

في الختام ‏‎لا يوجد مثقّف عضويّ في العراق، بل لدينا كتاب وصحفيين منهم متحزبين ومنهم يعملون تلقاء أنفسهم مثل كاتب هذه السطور المتواضعة، ولادة الدولة العراقية مشوهة منذ عام ١٩٢١ لذلك كل الأنظمة السياسية التي حكمت العراق فاسدة من التأسيس ولا يُمكن إصلاحها بأيّ حالٍ من الأحوال إلا في إيجاد حلول للصراع القومي المذهبي.

نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي

كاتب وصحفي عراقي مستقل.

10/11/2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here