النزاهة ود واع ش الإعلام

نزيه البغدادي

كلُّ العالم شهد كيف توالت الأحداث الدراماتيكيَّة في حزيران من 2014، وسقوط محافظات تحت سيطرة داعش الإرهابي، وكان لبعض وسائل الإعلام دورٌ سلبيٌّ في تلك النكبة، إذ مثلت “الجناح الإعلامي” لذلك التنظيم من حيث تدري أو لا تدري.

في معركة الدولة العراقيَّة ضدَّ الفساد لا يختلف الأمر كثيراً، فهناك فاسدون مُتنفِّذون لهم أذرعٌ سياسيَّـةٌ وإعلاميَّـةٌ يستطيعون من خلالها التغطية على جرائمهم القذرة وإيهام الرأي العام بتصدِّيهم لهذه الآفة المُدمِّرة، بل وتكوين رأي عام مُشوَّش يعتقد أنَّ الفساد مُستشرٍ في كلِّ طبقات المجتمع، فضلاً عن أصحاب المناصب من الوزراء والوكلاء والمديرين العامين، وهو ما يمثل تزييفاً للواقع الذي فيه الأيادي البيضاء والنفوس النقيَّـة والبطون العفيفة.

إنَّ إعمام تهمة الفساد على الجميع هو أكبر خدمة يُقدِّمُها الإعلام للفاسدين الحقيقيِّين، فهو يروم التغطية عليهم من جهةٍ، وبث روح اليأس والقنوط في نفوس الناس بعدم إمكانية التغيير والإصلاح ومكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه من جهةٍ أخرى، فضلاً عن أنَّ ذلك يُمثِّلُ بخساً لكل الجهود الخيِّرة في الدولة العراقيَّـة التي لا تغمض لهم عين؛ في سبيل تقديم ما يمكن أن ينهض بالبلاد ويخدم العباد، كما أنَّ ذلك يمكن أن يجعل الإحباط يتسلَّل لبعض النزهاء الذين لا يدَّخرون جهداً في مُحاربة الفساد، بعد أن يصطدموا بمثل هذا الإعلام الأعور والرأي العام المُتمخِّض عنه، وقد حث القرآن الكريم على عدم بخس جهود الناس والافتراء عليهم حتى ولو كانوا من الأعداء والذين لهم نكرههم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.

عندما يتصدَّى كاتب لنشر مقال بعنوان ” عندما تكون الدولة بمؤسَّساتها هي الحرامي” فهو لا يختلف إطلاقاً عن تنظيم داعش الإرهابي، فداعش أطاح بمؤسَّسات الدولة في محافظاتٍ مُعيَّنةٍ وسيطر على الأرض هناك، بيد أن مثل هذا الكاتب يسهم إعلامياً بالإطاحة بمُؤسَّسات الدولة إعلامياً ويُشوِّهُ سمعتها ويُشهِّرُ بها؛ تمهيداً لإسقاطها شعبياً عبر تكوين رأي عام يرى أن مُؤسَّسات الدولة خاوية وغير منتجةٍ وفاشلةٍ، بل ومُساهِمة مُساهَمةً فاعلةً في سرقة المال العام وإفقار المواطنين ومساعدة الفاسدين على الفساد والهروب من وجه العدالة، وهو خلاف الواقع الذي أثبتت العمليَّات الأخيرة بطلانه بعد تضافر جهود مُؤسَّسات الدولة من هيئة النزاهة والسلطات الثلاث القضائيَّة والتشريعيَّة والتنفيذيَّة في محاصرة المُتسبِّبين بما يُسمَّى بـ”سرقة القرن”، وإلقاء القبض على بعضهم ومصادرة أموال بعضهم الآخر، وحجز أموال البعض المنقولة وغير المنقولة، وإصدار مُذكرات قبضٍ ومنع سفرٍ، إذ تمَّ تقويض حجم الأضرار التي تسبَّب بها المُتورِّطون في القضيَّـة، وكأني أرى كل شريفٍ نزيهٍ إزاء الذين لا يرون تلك الجهود ولا يلحظون الجزء المملوء من الكأس، يلهجون بقول الشاعر:

والذي كان قذىً في عينِهِ قد يرى الصُّبْحَ بليلٍ سَرْمَدِي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here