” خدمة علم ” في زمن تبجيل الماكييرة !

عارف معروف

رغم عطل ” الطبقة ” المتسلطة على العراقيين عن كل كفاءة وموهبة ، الاّ انها برعت وبزّت كل من سبقها ، على مدى عهود العراق المعاصر السوداء كلها ، عدا فترة قصيرة للغاية تمكنت خلالها الوطنية العراقية المخلصة من ان تتصدى لادارة البلد ، بموهبتين مشهودتين هما : اللصوصية الفجّة والفساد غير المسبوق اولا . و التضليل والقدرة على اشغال الناس عن واقعهم المرير والمزري ، بل والكارثي ، بمختلف السبل والوسائل ثانيا … ، وكنّا نحسب ان الدعوة الى التجنيد الالزامي و ” خدمة العلم ” تقع في خانة الالهاء والاشغال وقنابل الدخان ، لتمرير ماهو امرّ وادهى او التستر على الكوارث والفضائح المتكشفة ، فلا يمكن لعاقل ، ان يترك كل هذه الكوارث المصيرية التي تهدد الوجود العراقي برمتّه دون معالجة ويذهب الى التجنيد الاجباري !! ، لكن ” المشروع ” حقيقي ، وهو يخضع للقراءة الاولى في جلسة ” البرلمان ” ، اليوم ، بعد ان اقرّ من قبل ” الحكومة ” التي ربما كان معظم اعضاءها من الفارين من ” خدمة العلم ” سابقا !! وهذا الواقع المضحك المبكي هو نكتة العراق الدائمة والمرّة في واقع الحال ، فالفرارية ، حكموا العراق سابقا ورأسوا القيادة العامة للقوات المسلحة ، ويتصدون اليوم لتشريع قانون ” خدمة العلم ” بعد ان اصبحوا مشرّعين… legislators … متضلعّين في خدمة المجتمع وقراءة ما يحتاجه وينفعه ، الله يجرم !!

يروّج حمقى وجهلة هذه الطبقة لمشروعهم ، النكتة ، من ان فوائده الجمّة، تشمل فيما تشمل :

اولا – ” انه سيعصم الشباب من الضياع ويحميهم من الانحرافات والمفاسد او انه سيمنحهم القوّة والشجاعة والضبط والتنظيم.”

ثانيا – ان ” الجيش ، ومعسكراته ووحداته ، كان اطارا يجمع ويوّحد ابناء الوطن من الشمال الى الجنوب ومن الغرب الى الشرق فتجد العربي الى جانب الكردي والتركماني والمسيحي و..الخ ولا تعرف فيه السني من الشيعي وسيعود ليكون ذلك الاطار الموحد “…

ولنقف الان عند هاتين الفائدتين العظيمتين : فاولا ان من يحمي الشباب من الضياع ويعدّهم كافراد صالحين ويعلمهم الضبط والتنظيم واحترام الوقت ، في اي مجتمع ، هو مؤسساته الاساسية ، كالعائلة والمدرسة والجامعة والمصنع والمزرعة ومنظومة القيم العامة والثقافة السائدة ومجمل البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية والتي تعني بالتربية والتعليم والتنظيم والعمل والانتاج واعداد الاجيال اعدادا ممنهجا وفق خطة اجتماعية لها غايات ووسائل تقوم عليها دولة ذات ارادة واستقلالية وقيّم ايجابية هادفة ، فهل بعد ان خربتّم كل ذلك وجعلتموه اثرا بعد حين ….ستنجح ” اليّ-س يمّ واليمين درّ يسار درّ ” في تعويضه واستعادته ؟!

ثانيا – لم تكن معسكرات الوحدة الالزامية هي من وحدّت العراقيين ، وانما كانت هي نتيجة لوحدة العراقيين في دولة واحدة قائمة على اساس المواطنة المتساوية قانونا ،رغم ما شاب هذه المساواة من اضطراب واقعي نتيجة سياسات وممارسات الطغيان الحزبي والفردي . اما الخدمة الالزامية فلم تكن ، خلال عمرها كله وفي افضل عهودها غير اطار عرف فيه شباب الوطن ، جميعا ، من عرب وكرد وتركمان ، مسلمين او مسيحيين او صابئة او ايزيديين ، القهر والاذلال والاستغلال ، وافنوا فيه اعمارهم واهدرت خلاله حرياتهم وكراماتهم بل واستخف فيه بحيواتهم ودمائهم…، ثم اية وحدة يمكن ان يحفزها اليوم التجنيد الالزامي ونحن نعلم ، على فرض اقراره وسريانه وسماح الاقليم بذلك واتفاقه عليه وهو امر مستبعد تماما ؟ ان واقع الحال سيملي التحاق مجندي كردستان بمعسكرات لهم في كردستان وتحت امرة البيش مركة فلا لقاء او تفاعل لهم بمجندي الوسط او الجنوب ، بل ولا مجندي السليمانية وملحقاتها والتي تخضع للقوة المسيطرة في السليمانية وعسكرها ، لا ولا حتى مجندي الانبار والموصل الذين لن يذهب احد منهم خارج محافظته لاسباب نعلمها جميعا . اذن فستكون ” الهجولة والبهذلة ” من نصيب ابناء الوسط والجنوب وحدهم ، فأية وحدة وهمية سيحققها هذا القانون بعد ان مزقها الواقع بدستوره وقوانينه وممارساته ؟!!

اذن فما يراد هو ليس قانونا لخدمة العلم ، وانما قانون لخدمة الجيوب ، عبر تمويلات بترليونات الدنانير ستذهب كلها الى جيوب من يسيطر ، الان ، على تموين وتجهيز الجيش والقوات المسلحة والسجون باقل القليل والفاسد من الاطعمة والتجهيزات مقابل عقود بمئات ملايين الدولارات ….

ما يراد هو قانون يضع اولاد الفقراء خدما مرغمين ومجانيين في بيوت جنرالات علب الليل ووزارة الماكييرة ، وربما في خدمة الماكييرات والعاهرات انفسهن …

ما يراد هو قانون يوفر بيادق حماية مجانيين للحثالات ، او جموع يمكن ان تُغدر ويتاجر بدماءها كما حصل في سبايكر وغيرها

قانون لاستعباد وابتزاز ملايين الفقراء بعد تحويلهم الى ” مدانين تحت الطلب ” ، في حال عصيانهم او عدم التحاقهم، وهو امر متوقع بل ومؤكد في ظل الظروف التي يعيشها العراقيين والشباب خصوصا ، وسيكونون طبعا عرضة للابتزاز والاستغلال ،هم وعوائلهم بطريقة تأخذ منهم حتى عشوائياتهم واسمالهم …

ولذلك فعلى الشباب والناس الانتباه الى ما يراد بهم قبل ان تنزل الفاس في الراس وعليهم عدم الاستخفاف بمصائرهم وتسليمها الى المجهول والى اللامبالاة ، كما هو حالهم دائما ، للاسف الشديد !

اما متى سيكون مثل هذا المشروع صحيحا وجديرا بالدعم والاحترام والحماسة فهو حينما يكون هناك وطن يشعر الجميع بمحبته ودفئه وحدبه عليهم جميعا …

وحينما تكون هناك دولة قوية تحترم نفسها ويحترمها العراقيون ويشعرون بتمثيلها لهم وتوفر لهم سبل الحياة الكريمة وقانون يحمي حقوق وثروات الوطن والمواطن من فساد الفاسدين وعبث العابثين وعسكرية تصون وتحترم فعلا استقلال الوطن وسيادته وقيم الوطنية والرجولة والشجاعة ….

وحينما يكون هناك علم وطني حقيقي جدير بالخدمة والالتفاف والتقديس ….

_____________________________

*بعد ان فشل ” المشروع ” اضطروا الى سحبه وركنه جانبا ، بالامس ، لكنهم ركنوه الان فقط بانتظار فرصة اخرى ، لان الدوافع الحقيقية وطريقة التفكير والاشخاص ما يزالون انفسهم مما يعطي للموضوع اهمية لا تتعلق بيوم التصويت فقط …

* من يعرف الجهة التي تقف خلف الاقتراح واشخاصها الذين سرقوا كل شيء وحتى الاموال المخصصة للنازحين ، سيعرف على نحو مؤكد ما يبغونه من المشروع .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here