2023 .. موازنة الأمنيات أم تكرار لما فات ؟!

باسل عباس خضير

الموازنة الاتحادية في العديد من البلدان لا تشهد اهتماما او تشكل هما لعموم الناس لان اغلب الأمور يتم انجازها من قبل مؤسسات تعود ملكيتها للقطاع غير الحكومي أفرادا او جماعات ، ورغم إن كل البلدان لديها موازنات مالية سنوية إلا إن كثيرا منها تختلف عن موازنتنا الاتحادية من حيث الأهداف والشمول وحتى في طريقة الإعداد ، فموازناتنا الاتحادية تحتوي على فقرات كثيرة تتعلق بحياة الناس بخصوص المدخولات او الخدمات او الاستثمارات وقائمة أخرى ترتبط بكثير من التفاصيل ، والقصور في الفلسفة والإعداد وأساليب الإدارة هو الذي حول الموازنة لتكون مصدرا لمعيشة اغلب السكان من خلال فقرات كثيرة ومكلفة في الرواتب والحماية الاجتماعية والتموين فهي من تداعيات اعتماد اقتصادا هجينا لا ينتمي إلى القطاع الخاص ولا ينفصل عن القطاع العام ، وأمراض الاقتصاد من حيث تركيبته وفشله ليست جديدة ومشخصة ونشأت منذ عقود وورثناها على حالها عقيمة المعالجة الشاملة وفيها ثغرات يخترقها الفساد وحلولها اقرب للترقيع ، وقبل إعدادها تطلق وعود وطموحات لم تتحقق في مجال زيادة الناتج المحلي غير النفطي وتعدد مصادر الدخل ومساهمة القطاعات في تفعيل الاقتصاد وتقليل الاستيراد ومن بدعها التي أرهقت الفقراء الورقة البيضاء ، والموازنات التي يعول عليها الشعب يفترض أن تكون بمستوى من الدقة في استخدام الموارد وتحقيق الأهداف وكسب رضا الناس ، ولكن ما يحصل العكس فكل الموازنات اشتركت بعوامل للضعف وصلت لحد الإخفاق أبرزها التأخير في إعدادها او عدم صدورها ( 2014 ، 2019 ، 2022 ) واستخدم أل copy – paste في تنظيمها وتحولها لموازنات توافقية لغايات سياسية ورضائية ، وهي إن أعدت بدرجة جودة معينة فإنها تفقد بعضا من محتوياتها عند التصويت عليها وقد تستغرق شهورا للمناقشة والمصادقة ، وعند تنفيذها تفتح الموازنات مجالات كبيرة للهدر والفساد من خلال المناقلات وفتح حسابات للسلف والأمانات يتأخر إغلاقها عاما بعد عام ، فضلا عن التعمد او الإهمال في المصادقة على حساباتها الختامية وعدم اقترانها ببراءة ذمة الحكومة والبرلمان بدليل إن الحسابات الختامية لما بعد 2013 لم تتم المصادقة عليها رغم انقضاء مهمة أربع حكومات حصلت على كامل امتيازات أفرادها لما بعد الخدمة في التقاعد وسواه .
وفي بلد مثل العراق بعدد سكانه المعروف وتعدد خيراته بمختلف المجالات كان المفروض أن ينعم أهله بكل مزايا السعادة والرفاهية وتوفر الخدمات في ظل الشعارات الرنانة للتمتع بالكرامة وحماية حقوق الإنسان ، فبلغة الأرقام انفق العراق 1109 تريليون دينار على النفقات الجارية والاستثمارية خلال السنوات 2011- 2022 منها 866 تريليون للنفقات للجارية و 242 تريليون للنفقات الاستثمارية ، وقد تم تمويل هذه النفقات من مجمل الإيرادات البالغة 950 مليار دولار منها 865 مليار دولار من الإيرادات النفطية و85 مليار دولار من الإيرادات غير النفطية ، وتشير هذه الأرقام إن بلدنا ينفق بمعدل 95 مليار دولار سنويا ( عدا القروض والمساعدات ) ، وكان المفروض بهذه الأموال التي احتوتها الموازنات الانفجارية والتقشفية أن تنقلنا لحال مغاير من حيث التنمية المستدامة والبنى التحتية وتقليل البطالة واستثمار الموارد البشرية والمادية وغيرها من الافتراضات ، ولكن ما تم جنيه هو الفشل في الكثير من الحالات والكشف يوما بعد يوم عن المزيد من العمق والسعة في الفساد والاستخدام غير السليم للثروات والأموال ، وبعد إن انقضى عام 2022 بمماطلات ووعود وبدون موازنة اتحادية بسبب الأداء الحكومي و الانسداد والتجاذبات التي أدت لإبقاء البلد تحت تهديد إيقاف الصرف بكافة الأنواع لان قصة 1\12 تنتهي في نهاية هذا العام ، بدأت الوعود بتعويض البلد عن ما فات والشروع بإعداد قانون لموازنة 2023 بوقت قياسي ليبدأ نفاذه في التاريخ المحدد دستوريا في 1\1 ( بداية السنة المالية القادمة ) ، وهي وعود يتمنون لها التحقق والأمور لا تسير بالأمنيات فحسب فلم يتبقى لنهاية العام الحالي سوى عدد محدود من الأيام والقضية تحتاج لتظافر الجهود من اجل إنتاج موازنة جادة ترقى لتلبية الاحتياجات بضوء التعهدات التي وردت في منهاج رئيس مجلس الوزراء ، ويفترض أن لا تكون موازنة إسقاط فرض لإثبات القدرة على إخراج موازنة بعد أن تعرضت موازنة 2022 للفشل في الإعداد والنفاذ وأن لا تكون تكرارا لأخواتها السابقات ، وهي موازنة تحدي ولإثبات الجدارة ومن يعلم فقد يمتد عمرها حتى عام 2024 إذا تقرر المضي بانتخابات مبكرة في العام المقبل ، وصحيح إن الوقت المتبقي لإعدادها ومناقشتها حتى نفاذها ليس بالكثير بمقياس الوقت ، ومن يريد أن يخدم بلده بالفعل بإمكانه أن يفعل الكثير ولا يستكثر شيئا على شعب يعاني اغلبه من موازنات لم تحقق ما يستحقه وما يمتلكه من ثروات .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here