ميركل وهَزلها حول أخذ كلام بوتين على محمل الجِد!

“على المرء أن يأخذ كلامه على مَحمَل الجد”، كان جواباً سطحياً وغير موفق للمستشارة الألمانية السابقة ميركل حول بوتين، رداً على سؤال طُرِح عليها قبل أيام في ندوة صحفية حول رأيها بما قام ويقوم وينوي القيام به، لا يقل سطحية عن قرار توريطها لألمانيا، هي وسَلَفها الوصولي شرودر، بمشروع أنابيب غاز ستريم 1 و 2 سيء الصيت، الذي لم يَجني الألمان وبلادهم منه سوى الأزمات والإذعان لإملائات شخص نزق كبوتين.

هي تعلم جيداً أن الجميع يأخذ بوتين وكلامه على مَحمَل الجد ويعرف خَطَره وخَبَله وإمكانية إقدامه على أفعال غير سوية، كغزوه لجيرانه بين الحين والآخر، أو تهديده لهم وللعالم بإستخدام الأسلحة النووية، والذي إن دَل على شيء، فعَلى فقدانه لأهليته ولقواه العقلية، لأن أي إنسان لديه ذرة عقل يعلم أن كل ما وَعَد به قطعانه سيبدو عبثياً حال إستخدامه لهذه الأسلحة، فحينها ستزول روسيا وكل الدول التي يَسعى لضَمِّها إليها، سواء بفعل سلاحه النووي أو بفعل الأسلحة النووية للغرب، الذي لن يقف متفرجاً عليه وهو يخرق القانون الدولي ويُبيد الملايين من أبناء شعبه والشعوب المجاورة له. لكنها على ما يبدو، كانت تقصد بذلك الإنبطاح له ولنزواته، وتسليمه كل أوكرانيا، ليأتي بعد كم سنة ويطالب بكل مولدافيا متهماً إياها بالنازية وإضطهاد الروس المتواجدين في منطقة ترانسنيستريا المولدافية التابعة لروسيا بشكل غير رسمي منذ 1992. ثم ليأتي بعد كم سنة ويطالب بكل جورجيا متهماً إياها بالنازية وإضطهاد الروس المتواجدين في منطقة أوسيتيا الجنوبية الجورجية التي إحتلها عام 2008. فهذه هي السياسة التي كانت تعتمدها ميركل معه، وهي التوافق مع نزواته، لذا مَرّت مغامراته النزقة وإعتدائاته السابقة على جيرانه مرور الكرام خلال فترة حكمها التي شهدت الكثير من الأحداث التي كان يمكن التحرك للَجمه وإيقافه عند حده في وقتها، قبل أن يتهَستر ويُصبح خارج السيطرة، كما هو الآن.

لا يمكن تصديق أن سيّدة حَكَمت دولة بحَجم ومكانة ألمانيا لمدة 16عاماً، يمكن أن يصدر منها تصريح بهذه السطحية حول حدث خطير كالغزو الروسي لأوكرانيا، فهي تتحدث عنه وكأنها مستطرقة، رغم أنها من جعلته مُمكناً بعد ما وفرته لبوتين مِن سنوات رخاء وإسترخاء، إستطاع خلالها أن يجمع المليارات من تصديره للغاز الى ألمانيا، وأن يستجمع قواه بل ويقوم بعمليات إحماء إستعداداً للجولة الأساسية التي كان يفكر بها ويخطط لها، فكل جرائمه السابقة، بدئاً من إحتلال أوسيتيا الجنوبية ثم القرم، بالإضافة لجرائمه في الشيشان وسوريا، حدثت خلال فترة ولايتها ولم تحرك ساكناً، بل إكتفت بعتابه والطبطبة على ضحاياه. بسبب ذلك تعرضت المستشارة السابقة لإنتقادات عديدة نتيجة سياستها تجاه روسيا، فهي متهمة بالتقرب من بوتين رغم إقرارها بخداعه وكرهه لأوروبا. وأقسى إنتقاد جائها من مجلس العلاقات الخارجية الذي إتهمها بالتماشي مع منطق السياسة الروسية لكونها من ألمانيا الشرقية، وبأنها كانت تعلم أين ومتى كذب عليها بوتين، لكنها لم تفعل شيئاً، وتصرفت في النهاية بشكل إنتهازي لمصلحة سلطتها ومصلحة الاقتصاد الألماني كما كانت تراه.

مشكلة ميركل هي أنها تفتقر للنقد الذاتي، وهو ما يعكسه إصرارها على عدم الإقرار بالذنب والإعترف بخطأ سياستها مع بوتين. ففي لقاء صحفي سبق هذا اللقاء، وكان حينها الأول بعد تركها للسُلطة، وحينما سُأِلت إن كانت قد أخطأت في إتخاذ بعض القرارات خلال فترة حُكمها، أخذت تلف وتدور وتتحدث بعمومية وهلامية، دون الإقرار بخطأ واحد إرتكبته، رغم أن فترة حكمها شهدت الكثير من القرارات الخاطئة والكثير من الخطوات الصائبة، ويفترض بالسياسي الواعي الحكيم أن يذكر الإثنين، لتتعلم الأجيال القادمة منه، على الأقل، فضيلة الإعترف بالخطأ.

في النهاية، إن كانت تعني فعلاً قولها “خذوا كلامه على مَحمَل الجد”، فتلك مصيبة، وقد أوضَحنا لماذا. وإن كانت تُهَرِّج وتمزح، ولا أظنها تفعل في ظل الأزمة الحالية التي يَمُر بها العالم، فالمصيبة أعظَم، لأنها تسَبّبت بها، وبدلاً من أن تقف متفرجة تُنَظِّر بخصوصها، وكأن الأمر لا يعنيها، يفترض بها أن تبذل جهداً إستثنائياً ومُضاعَفاً عن غيرها لإنهائها، عِبر محاولة التأثير على حاكم مَسعور أطلقت لِجامه أو تغاضَت عن سُعاره، لأنه كان يهديها باقة ورد بقُطر متر كلما زارها في برلين، أو زارته في الكرملين!

مصطفى القرة داغي
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here