اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة التوبة (ح 85)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الصلاة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في أوقات الصلوات: ما دلَّ من القرآن الكريم على اختلاف الأزمان. وأوضحُ ذلك ما دلَّ على وصف الزمان نفسه بوصفٍ مهمّ، كقوله تعالى: “مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ” (التوبة 36). وإذا أمكن أن يكون بعض الزمان مهماً أمكن أن تكون أجزاءٌ أخرى مهمةً أيضاً كبرت أو صغرت. ما دلَّ من السنة على أهمية بعض الأزمان بذواتها، فشهر رمضان شهر الله، وهناك عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم عرفة، وليلة القدر، واضحة الأهمية شرعاً ومتشرعياً بالضرورة في الإسلام. مضافاً إلى أهمية أيامٍ أخرى بدرجة إثباتٍ أقل، كليلة الجمعة ونصف شهر رجب ونصف شهر شعبان ويوم التروية ويوم دحو الأرض وغيرها كثير.

في خطبة الجمعة للشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: بسم الله الرحمن الرحيم: “أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة 109-110) نستمر في تلاوة الخطبة السابقة انه من الواضح في التجربة ان كل حروب دول الاستكبار، تجارية تفتعلها لأجل استنزاف الشعوب البائسة اقتصاديا واجتماعيا لأجل ايفاء النقائص التي قد تحصل في ميزانيتها خلال اي عام وبالطبع فإنه كما قيل في الحكمة (ان السياسة لا قلب لها) فكلما كان الامر يجر لها نفعا اندفعت نحوه وورطت نفسها فيه سواء مع اعدائها او مع اصدقائها على حد سواء وتعود النتائج السلبية حقيقة على الشعوب المظلومة عامة وعلى المؤمنين خاصة وهي متعمدة في ذلك. انهم زعموا ان القصف قد حقق اهدافه وقد كذبوا وإنما كان انتهاؤه تنازلا وتخاذلا من قبلِهم. نعم هو قد حقق اهدافه في الحكمة الالهية من حيث لا يدرون من باب ما نسمع من الحديث القدسي الذي يقول : (الظالم جندي أنتقم به وأنتقم منه). فهو كما كان انتقاما للذنوب والعيوب الكثيرة المتفشية في المجتمع يكفي ان نلاحظ ونلتفت أننا قد قصرنا تجاه الإمام الحسين عليه السلام فجاء رد الفعل في الحكمة الالهية سريعا وقويا وننتظر من رحمة الله سبحانه وتعالى أن يطبق الفقرة الثانية من هذه الحكمة لأنه يقول (انتقم به وأنتقم منه). نعود الآن الى ما كنا بدأنا به في الجمعة السابقة من شرح خطبة النبي صلى الله عليه وآله التي ألقاها بمناسبة بدء شهر رمضان المبارك. قال صلى الله عليه وآله كما في الرواية : (يا أيها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه). وكل هذه الكلمات حكم وخصائص ونصائح لا ينبغي أن نتعداها حتى نعرف شيئا من فحواها. أشار صلى الله عليه وآله كما في الرواية في أول فقرة من هذا الذي نقلناه الى حُسن الخلق في هذا الشهر وتحسين الخُلق وان كان يعني عرفاً مجرد المجاملة مع الاخرين وهو لا شك من مصاديقها وتطبيقاتها إلا أن المسألة أوسع من ذلك بطبيعة الحال فأنه بحسب فهمي يعني وضع الشيء او التصرف في موضعه المناسب له وهذا هو العدل او العدالة فحُسن الخُلق مساوق للعدالة او مساوق مع العدالة. والعدالة وان شملت الاخرين بطبيعة الحال من اصدقاء واعداء واسرة واخوة وغير ذلك فان المفروض في الفرد المؤمن ان يكون عادلا في علاقاته مع اي شخص ويطبق رضا الله سبحانه وتعالى وتعاليم شريعته في كل مجتمع إلا أننا ينبغي أن نلتفت إلى ان العدل غير خاص هذا المورد بل له موارد اخرى بل لعلها هي الموارد الاهم والاعظم وهي العدل في علاقتك بنفسك والعدل في علاقتك بربك والعدل في علاقتك بأوليائك عليهم افضل الصلاة والسلام. اما علاقتك بنفسك فالنفس متكونة من عقل وقلب وشهوات ونحو ذلك ولكل من هذه الملكات نظامها العادل الإلهي الذي يجب اتباعه والسير على نظامه واتباع التكامل الحقيقي النوراني له حتى يصبح الفرد المؤمن ممن يحبهم الله ويحبونه ويكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر. واما علاقتك بربك فهي الاهم على الاطلاق وانما كل العلاقات الاخرى مبنية عليها ومنتجة اليها ولولاها لما كان لها اي معنى او اي مبنى. وهذه العلاقة المقدسة لها مراتب بطبيعة الحال. أولها : مجرد الاعتقاد بوجود الله وتوحيده. الثانية : محاولة طاعته في الجملة فيكون الفرد عندئذ ممن عمل عملا صالحا وآخر سيء. الثالثة : محاولة طاعته بالالتزام بالإتيان بجميع الواجبات والكف عن جميع المحرمات وهنا ينفتح باب الخيرات والرحمة الالهية لان الفرد عندها يكون من المحسني. ان الجواز على الصراط يعني الذهاب الى الجنة والى رضاء الله سبحانه. وزلل القدم يعني السقوط في هاوية جهنم او هاوية الرذائل ايا كانت. ومن الطبيعي والمعقول جدا أن من كانت علاقته عادلة بينه وبين ربه وبينه وبين نفسه وبينه وبين الاخرين اذن فهذا هو بعينه ثبات القدم على الصراط والجواز عليه الى الجنة فان هذا الفرد لا شك انه يكون اهل لذلك بخلاف الاخرين الذين تنقص عدالتهم او تنتفي بالمرة او يتورطون في مختلف أنواع الزلل والفجور والعياذ بالله. يبقى سؤال واحد يحسن عرضه والجواب عليه وهو أنه صلى الله عليه وآله قال كما في الرواية (من حسّن في هذا الشهر خُلقه) مع ان تحسين الخُلق ليس له اختصاص بالصوم او بشهر رمضان بل هو واجب وراجح على أية حال وفي كل زمان ومكان ومطلوب من كل الأفراد. وجوابه أن هذا يعني أحد امور : الامر الاول : ان ضم عبادتين الى عبادة واحدة اولى عند الله واكثر ثوابا من القيام بعبادة واحدة وهذا ينبغي ان يكون واضحا. وفي شهر رمضان اذا انضم الصوم الى حسن الخلق او نقول اذا انضم حسن الخلق الى الصوم كان أفضل من أحدهما لا محالة. الأمر الثاني : أن المناسبات الدينية من مكانية وزمانية تجعل للطاعة فضل أكثر من غيرها فمثلا ان الصوم في شهر رمضان أفضل من الصوم في غيره لأن نفس شهر رمضان أفضل من غيره فكذلك حُسن الخُلق يكون في شهر رمضان او أي عبادة أخرى كالصلاة او قضاء حاجة المحتاج يكون فيه افضل من غيره كما انها في المسجد تكون افضل وهكذا فيكتسب بذلك حُسن الخُلق في شهر رمضان اهمية عالية وكذلك سائر الأعمال الصالحة المذكورة في هذه الخطبة النبوية الشريفة. الامر الثالث: ان الفرد الصائم قد يلتفت الى تفاصيل الشريعة ودقائقها اكثر من غيره لأنه يرى نفسه في طاعة مستمرة بصفة صيامه فيرغب بطاعة اكثر ويلتفت الى جهات اخرى منها ومن هنا ينبهه النبي صلى الله عليه واله الى حسن الخلق وغيره فيكون اول التفاتة الى ذلك خلال شهر رمضان ليستمر عليه بعد انقضائه ايضا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here