ماذا يحدث في فلسطين.. إلى متى يستمر التصعيد؟

دينا الشريف

ما الذي يحدث بالضبط في الضفة الغربية المحتلة والقدس الآن، ولماذا؟ ما الذي يجعلها مختلفة عما رأيناه في التاريخ الحديث، وماذا تعني لمستقبل المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني؟
المقاومة في فلسطين “تحترق”؛ إنه مصطلح نراه يستخدم كثيرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار ومقالات الرأي التي تتحدث عن الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أنها ليست عبارة جديدة تستخدم لوصف موجات القمع والمقاومة في فلسطين، وآخرها انتفاضة الوحدة 2021 التي اجتاحت فلسطين التاريخية.
شهدت الأسابيع القليلة الماضية تكثيفًا ملحوظًا للحملة الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي تستهدف المدنيين العاديين في منازلهم وقراهم، ومقاتلي المقاومة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية.
في الوقت نفسه، كان المستوطنون المسلحون يرهبون المجتمعات الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية، في كثير من الأحيان في وجود وحماية الجيش الإسرائيلي.
يعتبر القمع الحالي ومقاومته جزءًا من حملة أكبر امتدت لأشهر لقمع المقاومة في فلسطين، وخاصة في القدس والضفة الغربية
ففي الأيام القليلة الماضية، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، أن القوات الإسرائيلية قامت بقتل فلسطينيًا في الضفة الغربية المحتلة، وهو رجل يدعى حبيس عبد الحفيظ ريان، يبلغ من العمر 54 عامًا، متهمةً إياه بتنفيذ هجوم دهس وطعن على جندي إسرائيلي عند حاجز عسكري بالقرب من مستوطنة يهودية. ويجدر الإشارة إلى أن ريان يعيش في قرية دقو شمال غربي القدس، ولديه ابن يُدعى عاصم، وهو مسجون في احدى السجون الإسرائيلية.
وعلى صعيد متصل؛ قتلت القوات الإسرائيلية بالرصاص أربعة فلسطينيين، بينهم صبي يبلغ من العمر 14 عامًا، في حوادث منفصلة في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية.
قالت وزارة الصحة الفلسطينية ان القوات قتلت محمد سامر خلوف (14 عامًا) وفاروق جميل سلامة (28 عامًا) خلال مداهمة نادرة للجيش في مدينة جنين.
وذكرت تقارير فلسطينية أن سلامة كان عضوًا في كتائب جنين المسلحة وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
وأكد الجيش الإسرائيلي على موقع تويتر أنه استهدف سلامة خلال عملية في المدينة، متهمًا إياه بالمشاركة في مقتل الكوماندوز الإسرائيلي نعوم راز في مايو.
صعود المقاومة الفلسطينية في وجه القمع الوحشي
يعتبر هذا العام هو أشدّ موجات القتال الإسرائيلي الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية التي أسفرت عن مقتل أكثر من 130 فلسطينيًا هذا العام، مما يجعل عام 2022 الأكثر دموية منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تعقب القتلى في عام 2005.
وقتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 100 فلسطيني في الضفة الغربية هذا العام، بينما قُتل 20 شخصًا في سلسلة من الهجمات القاتلة التي نفذها فلسطينيون داخل إسرائيل.
وفي شهر أكتوبر الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية 15 فلسطينيًا من بينهم أربعة من المراهقين والأطفال خلال المداهمات الليلية وعمليات الاعتقال.
مع تكثيف الجيش والشرطة والاستخبارات الإسرائيلية، بناء على طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، في حملتهم الأخيرة، تضخمت المقاومة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية  لأساليب الاحتلال، إلى جانب مخاوف الفلسطينيين من العنف الإسرائيلي.
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، قُتل جنديان إسرائيليان في عمليتين منفصلتين، أحدهما عند حاجز عسكري خارج مخيم شعفاط للاجئين في القدس، والآخر في موقع للجيش في منطقة نابلس شمال الضفة الغربية.
والجدير بالذكر أن كلا الرماة نجحوا في الخروج على قيد الحياة – وهو أمر غير مألوف في ضوء سياسة إطلاق النار للقتل التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، والتي ترفض السلطات الإسرائيلية تغييرها بفاعلية وسط الضغوط الدولية. واستمرت عمليات القمع وإجراءات العقاب الجماعي في عملية البحث عن منفذي إطلاق، حيث أغلقت عدد كبير من الطرق طالت منطقة نابلس بأكملها، وفرض حصار على أحياء بأكملها مثل شعفاط وعناتا المجاورة. حيث أثار حصار شعفاط والأحياء المحيطة بها حملة عصيان مدني واسعة النطاق في أحياء القدس.
وتصاعدت الاحتجاجات المؤيدة لحملة العصيان المدني في القدس في قطاع غزة المحاصر، حيث انضم الفلسطينيون إلى الدعوات لاستمرار المواجهة مع الجهاز العسكري الإسرائيلي.
وفي الوقت نفسه، كثف المستوطنون الإسرائيليون هجماتهم على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، تحت إشراف وحماية القوات الإسرائيلية.
ماذا تعني “عملية كسر الموجة” بالنسبة للفلسطينيين؟
الحملة واسعة النطاق التي ينسقها الجيش والاستخبارات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، والتي تركز على نابلس وجنين في الضفة الغربية ومدينة القدس. فليس من المستغرب بالنسبة للفلسطينيين أن هذا التكثيف الأخير للهجوم من قبل إسرائيل يعتمد على أفعال من السنوات السابقة.
إذ أن تداعيات التصعيد الحالي من قبل إسرائيل هي جزء من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي الأوسع، مدفوعًا بأيديولوجية صهيونية يمينية. حيث يشير ذلك إلى أن القوات الإسرائيلية ليست محصورة في مساحة جغرافية واحدة، وبدلاً من ذلك تستهدف الجميع – لا فقط أولئك الذين يقاومون، ولكن أولئك الذين يظهرون علامات المقاومة المحتملة.
المقاومة مع عدم وجود اتصال منظم
الجيش الإسرائيلي لا يقتصر على الجغرافيا فحسب، ولكن لا يلزمه المواجهة الفلسطينية كذلك. شهد شهر آب (أغسطس) الماضي ديناميكية جديدة بين غزة والضفة الغربية، حيث على عكس العقد الماضي، أصبحت غزة قوة وسيطة للحد من تصعيد المقاومة في الضفة الغربية.
فعلى الرغم من أن بعض البلدات والمدن الفلسطينية أصبحت أهدافًا أساسية في الحملة الإسرائيلية الأخيرة، إلا أن هجوم الجيش والاستخبارات الإسرائيلية كان جماعيًا. حيث تم اعتقال أكثر من 5292 فلسطينيًا منذ كانون الثاني بحسب جمعية الأسرى الفلسطينيين. من بين كل 100 معتقل، يوجد 14 منهم للأطفال والقُصّر، و766 منهم معتقلون منذ يناير / كانون الثاني.
وتتراوح المقاومة في فلسطين بين المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية غير المسلحة، والتي امتدت إلى انخراط الفلسطينيين في الشتات وفي المنفى. وبهذه الطريقة، يستمر تجزئة الهوية الفلسطينية في مواجهة التحدي والمقاطعة.
بالنظر إلى أن هذا العام كان من أكثر الأعوام دموية، يواجه الفلسطينيون الآن مشهدًا من القمع بالتوازي مع تكثيف الاعتقالات.
حيث يقوم الجيش الإسرائيلي عمدًا بتصعيد الاغتيالات المستهدفة خارج نطاق القانون للفلسطينيين، وتحديدا مقاتلي المقاومة. وقد أدى ذلك إلى مقتل أكثر من 160 فلسطينيًا في الضفة الغربية وحدها، وقتل 49 آخرون في غزة خلال هجوم أغسطس الماضي.
إلى متى يستمر التصعيد؟
يشير الخطاب الإسرائيلي الحالي إلى احتمال ليس فقط تصعيد العنف ضد الفلسطينيين بطريقة مشابهة لعملية السور الواقي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن أيضًا الأبوية في تصور إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
فهناك أقاويل تؤكد أن إسرائيل ستساعد الفلسطينيين في بناء مستقبلهم. حيث جاءت مستندةً إلى إنكار أبوي استعماري لحق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة، مؤكدا على ضرورة نزع سلاح الفلسطينيين.
ومن غير الواضح بعد؛ ما إن كان الجمهور الفلسطيني الأوسع سيختار الالتفاف حول مجموعات المقاومة وتحويل هذه اللحظة الحالية إلى انتفاضة كاملة. لكن من المؤكد أن التأثيرات التي تتعرض لها هذه المجموعات محسوسة – سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الشارع. حيث أدى الواقع الحالي للدولة الفلسطينية بالضرورة إلى ظهور أنماط جديدة من التفكير والسياسة المتبعة.
وطالما بقي الفلسطينيون تحت غطاء الاستعمار الإسرائيلي، فسوف يستمرون في المقاومة وإنشاء مساحات جديدة تسمح لهم بالصراخ الجماعي “لا أكثر”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here