باسل عباس خضير
من منا لا يعرف قضية تخفيض سعر صرف الدولار من قبل حكومة تصريف الأعمال ، فهي مسرحية هزيلة بكل الفصول وأرد من روج لها الانتقام من الفشل في فرض ضريبة الدخل على رواتب الموظفين والمتقاعدين حيث تم إدراجها ضمن مشروع مقترح قانون موازنة 2021 وجوبهت برفض البرلمان ، وبدلا من إيجاد بدائل لتعويض النقص الحاصل في إيرادات النفط بعد الانكماش العالمي ، فقد استسهلت الحكومة الحلول واخترعت فكرة التلاعب بأسعار صرف الدولار كوسيلة للهروب إلى الخلف واقنعوا السياسيين بان زيادة سعر الصرف سيوفر إيرادات تنقذ البلد من حالة الانهيار المالي والحؤول دون تكرار ما حصل في بعض البلدان مثل لبنان ، وقد وضعت فوائد وهمية لهذا ( الانجاز ) مفادها تشجيع المنتج المحلي والحد من تهريب الدولار وتقليل اللجوء للاقتراض المحلي والخارجي ، وبعد إقناع البنك المركزي بهذا الحل تم الاتفاق على جعل سعر الصرف 1460 دينار لكل دولار بدلا من 1118 كفقرة في موازنة 2121 ( بزيادة قدرها 23% ) ، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان هذا القرار الذي استفاد منه خزنة الدولار بدأت ملامح التأثير السلبي الواضح على معيشة غالبية السكان ، والحكومة لم تكن غائبة عن هذا التأثير الذي يزيد الفقراء فقرا ويحول نسبة مهمة إلى ضعفاء وحاولوا جمح كباح ذلك بالإيعاز للجهات الأمنية والمجتمعية المختصة بمراقبة الأسعار في الأسواق ، ورغم ما بذلوه ازدادت الأسعار لأكثر من 25% رغم إن بضاعة تجار الجملة والتجزئة على حالها ولم يصل الاستيراد بالدولار الجديد ، وغالبية الشعب لم يظهروا مقاومة لما حصل إدراكا بان البلد بحالة ضيق من أسعار مبيعات النفط التي قدرت ب45 دولار في موازنة شد الأحزمة على البطون وتأملوا أن تعاد أسعار الصرف لما كانت عليه حال تحسن الإيرادات ، ولكن واقع أسعار النفط تغير ووصل إلى ضعف ما تم التخطيط له وفي مرات عديدة تجاوز سعر البرميل 100 دولار ، وبدلا من إنصاف الشعب وتعويضه عن النقص بقدراته الشرائية بدأت الأصوات تصرح بان أسعار النفط ستنخفض وبان صندوق النقد الدولي ( زعلان ) ، ولغياب الموازنة الاتحادية لأسباب غير مقنعة للكثير ولغرض فتح مجالات قانونية للإنفاق والترضية السياسية قاموا بتشريع قانون الطوارئ والأمن الغذائي الذي هو اسم على غير مسمى فما جناه البعض من هذا القانون هو تغيير طفيف جدا يتعلق بجزء بسيط من حاجات الشعب ، وهي إجراءات انكشف الهدف منها بعد أيام بعد أن راجت قضايا عديدة منه توفير الأثاث بمبلغ 70 مليار ووجود أبواب عديدة للصرف ليس لها علاقة بالأمن الغذائي فمن مجموع تخصيصات الإنفاق البالغ 27 مليار تم تخصيص ما لا يزيد عن 10% للغذاء والرعاية الاجتماعي ، والأهداف المعلنة بما يسمى الورقة البيضاء أباحت المحظورات فمبيعات البنك المركزي تجاوزت أرقاما قياسية لتبغ أكثر من المليار دولار في الأسبوع ، والمنتج المحلي ذبح من الوريد للوريد بعد أن تم تصفير الرسوم الكمركية وارتفاع تكاليف استيراد المواد التي يستخدمها المنتج المحلي .
وبعد أن وصل خزين العملات الأجنبية والذهب في البنك المركزي الاحتياطيات لأرقام غير مسبوقة من قبل والتي يتباهون بها في الإعلام ، تنفس الناس الصعداء واعتقدوا إن الدولار سيعاد لسابق عهده إنصافا للشرائح المتضررة من تغيير سعر صرفه ، وهم الغالبية العظمى من السكان لا لكونهم من هواة جني الدولار بل كونهم فقدوا جزءا من قدراتهم الشرائية ، ورغم كل التغييرات السياسية والاقتصادية التي حصلت في البلد في الأسابيع الماضية ورغم إن الأمل لم يتم فقدانه بعد إلا إن ما يثلج الصدور لم يظهر للعلن بعد ، فما نسمعه هي نظريات وتحليلات وتحذيرات تمس رغيف الخبز وتوفير الحد الأدنى من معيشة الناس وأكثر الذين يصرحون لعلهم لم يلامسوا او يعايشوا معيشة الكثير الذين لهم متطلبات في بلد يفتقر للكثير ، منها ما يتعلق بالإيجار والكهرباء والاتصالات والتطبيب وشراء الماء والمدارس والكليات وغيرها من التفاصيل التي تضاعفت تكاليفها بعد رفع سعر صرف الدولار وأبقت الرواتب التقاعدية مثلا على حالها لعشرات الآلاف من الحالات ( 500 ) ألف دينار شهريا ، وان ما يعانيه الكثير بسبب الدولار قضية لا يستهان ومعالجتها ذمة بأعناق ممن تعهدوا بمعالجة الحال في برامجهم الانتخابية او في السعي لتشكيل الحكومة الحالية ، والناس لم يصيبهم اليأس في إعادة الحقوق التي أخذت منهم والتي كان لها مسوغات وأسباب انجلت ظروفها ومخاوفها لحد ما ، حيث يأملون إنصافهم في موازنة 2023 التي يعولون عليها في تغيير سعر الصرف ، وغير هذه الحلول لا تفيد فالشعب له صبر وطاقة في التحمل بسبب ما يحتاجه من متطلبات عجزت كل الحكومات السابقة عن حلولها وتوفيرها وستبقى قائمة إن لم يتغير الحال ، وفي خضم ذلك يحتاج الشعب للعيش ببحبوحة أمل للعيش بكرامة وبدون ذل وعوز ، وواقعيا وبموضوعية فان مخاطر تخفيض سعر الصرف في ظل واقع الاقتصاد الوطني والأزمة الاقتصادية العالمية الحالية والمتوقعة ، من المتوقع إن تعاظم أزماتنا الاقتصادية المحلية في التسارع صوب الركود التضخمي وتفاقم البطالة وزيادة نسبة الفقر وإلحاق الضرر بفئات أوسع في المجتمع في بيئة هشة تفتقر لكثير من المقومات الأساسية للتنمية والتطور في الأمد القريب ، وان التغيير بسعر الصرف يشترط إن يكون لمرة واحدة وليس يشكل متدرج للسيطرة على دورة الآثار الاقتصادية بمدة زمنية اقصر ولتجنب استمرار طول مدة الارتدادات العكسية وهيمنة ( التجار) في التغيير التدريجي الذي ستنمحي آثاره لافتقار البلد لآليات في السيطرة على الأسواق وضعف المنافسة على الأسعار ، والموطن ( البسيط ) لا يمكن أن يتحمل إصرار من يعنيهم الأمر على إبقاء سعر الصرف لما هو عليه لأنه يتكبد ضررين ، مرة من أسعار الصرف المرتفعة ومرة من الارتفاع العالمي للأسعار ، وواحدة من أسباب الارتفاع العالمي للأسعار هو ارتفاع أسعار النفط التي لم يجني منها شيء .