الحروب والكذب

كامل سلمان

ظاهرة الكذب تنتعش عند الحكومات اثناء الحروب ، فالاعلام الحكومي الرسمي وتصريحات المسؤولين تصبح ملوثة بالكذب ، فتظهر مصداقية تلك الحكومات اثناء الحروب وينكشف الخيط الابيض من الخيط الاسود … خلال الحرب العراقية الايرانية كانت القوات الايرانية لكل معركة تهيىء الشارع الايراني وتعبء الجيش والحرس والبسيج لتلك المعركة وينطلق الاعلام بالتهليل لهذه المعركة ويخرج رجال الدين والدولة بتصريحات بأن هذا الهجوم سينتهي عند بغداد وحين يبدأ الهجوم وتنتهي الامور الى خسارة مذلة يعود نفس هؤلاء المطبلين والقادة ليقولوا للناس لم يكن هذا الهجوم الا هجوم تمهيدي ، وكذلك كان يفعلها الجانب العراقي مع كل معركة خاسرة يعلن عن انسحاب تكتيكي لخداع العدو وتدميره عن بكرة ابيه ، وبعدها نشاهد طوابير من التوابيت تنقل للمقابر من قتلى الانسحاب التكتيكي ، وظل العراقيون والايرانيون طوال السنوات الثمان للحرب ضحية المحرقة بين الهجوم التمهيدي والانسحاب التكتيكي واليوم بين روسيا واوكرانيا ، روسيا منذ اليوم الاول للحرب هددت بإنها عازمة على ابتلاع اوكرانيا وابلغت العالم اجمع بأنها ستنهي وتمحو اية دولة تتدخل بالحرب ، واليوم بعد انقضاء اكثر من ثمانية اشهر على الحرب لا ابتلعت اوكرانيا ولا محت دول العالم التي تدعم اوكرانيا بوضح النهار .
وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف كان يصرح بتدمير القوات الامريكية في حرب ٢٠٠٣ م وهو جالس في الطابق العلوي لفندق فلسطين مريديان وكانت القوات الامريكية تتجول تحت الفندق . هذه الاكاذيب المخزية تلجأ اليها الحكومات لرفع الضغوطات عن نفسها ومحاولة لأعادة المعنويات الى جنودها .
يقولون بأن غوبلز وزير الاعلام الالماني النازي في الحرب العالمية الثانية هو من اسس ظاهرة الكذب في الحروب .
لا أظن ذلك بل ان الحكومات التي لا تستحي من شعوبها ومن التأريخ هي بطبيعتها القذرة تلتجأ للأكاذيب لتضليل الشعوب ، فيعملون على التقليل من قيمة وقدرة العدو كما قال فرعون عن بني اسرائيل ( انهم لشرذمة قليلون ) …
إذاً هي ظاهرة تتواجد في عقول الحكام الفاشلين منذ ابد الابدين وليست وليدة اليوم .
الحرب اساساً عمل غير اخلاقي مهما كانت مبرراته ، تدل على عجز العقل البشري في ايجاد مخرج للتوترات الحاصلة بين الاطراف نتيجة الاخطاء التي يرتكبها الحكام . اذهب الى المجتمعات البائسة تجد الاقتتال بين الناس انفسهم على أتفه الاشياء بينما لا تجد هذه الحالة عند الطبقات المتعلمة ، والسبب هو عدم وجود الحلول للمشاكل عند غير المتعلمين الا بالقوة والعنف في حين تجد الحلول المنطقية العقلانية متوفرة وبسهولة عند طبقة المتعلمين . لذلك فالحروب والاقتتال هو عجز وليس شجاعة كما يحلو لقادة الدول المتأزمة تصويرها .
الكذب يكون دائماً حاضراً عند الاطراف المتقاتلة وخاصة المهزومة منها لأن المنتصر قليلا ما يحتاج الى الكذب . في مجتمعاتنا نعيش الكذب بكل انواعه فهو ما تبقى عندنا نتيجة الهزائم النفسية المتتالية فالحكومة تكذب على الناس والناس تكذب على بعضها بعضاً وهكذا اصبحنا ضحية للكذب ، هل سيأتي اليوم الذي نصحو فيه بأننا كذبة تعيش على الارض عندما نلتفت الى الخدمات السيئة والسرقات المهولة والحرمان من ابسط مقومات الحياة ونعرف بأننا رضينا بكل هذا بسبب الكذب الذي يطرقون به مسامعنا على مدار الساعة ؟ ام اننا سنستمر نعيش حياة المغفلين الذين يستأنسون الكذب .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here