دولة سومر، النبع الحضاري الاول في تاريخ الانسان !

دولة سومر، النبع الحضاري الاول في تاريخ الانسان ! (*) د. رضا العطار

الساميين !

يستفهم من الحلقات السابقة من ان المستشرقيين الاوربين والامريكيين قد اطلقوا مصطلح ( الشعوب السامية ) على شعوب الوطن العربي القديم ومصطلح ( اللغة السامية ) على لغاتهم.

منذ الالف الثامن قبل الميلاد اي قبل عشرة الاف سنة، اخذت شعوب الشرق الاوسط القديم التي كانت تحمل ملامح الحوض المتوسطي المشابهة لملامح الشعوب الحالية، تستقر تدريجيا على سفوح المرتفعات المحيطة بالسهل الرافدي، معتمدة على الزراعة والرعي بعد تركهم نظام جمع الطعام. فكانت الاراضي التي تتلقى نسبة من الامطار، تكفي لحصاد مناسب. وكانت قرية – جرمو – اقدم تجمع سكاني معروف في بلاد الرافدين. و يقدر تاريخ هذا التجمع بطريقة الفحص على الفحم المشع (كاربون 14)، يعود تارخه الى 6800 ق م

وفي الالف الخامس ق م بدأ سكان العراق القديم يستعملون معدن النحاس الى جانب الحجر. فظهرت اولى بوادر المؤسسات الاقتصادية، وعرفت الأختام التي دلت على التملك. وتأسست حياة دينية ووُضعت طقوس وقواعد للدفن وبناء القبور وكذلك تطور المجتمع اجتماعيا لكن من الصعب تتبع تطوره والتعرف على المراحل التي مرّ بها. فالتاريخ هو ترتيب الحوادث حسب تسلسلها الزمني وهو التاريخ النسبي. اما التاريخ المطلق فهو تحديد زمن الحوادث. ويصطدم الدارس لتاريخ الشرق القديم بمشكلة محيرة سببها غياب الاطار الزمني الدقيق للأحداث والجدل حول تسلسلها ( 10 )

كانت رقعة الارض التي اكتشفها اولئك الذي هبطوا من المرتفعات نحو السهول الجنوبية الكائنة بين دجلة والفرات قد سموها بلاد سومر، بينما عرفت المناطق الوسطى بعدئذ بأسم اكد وبايل، اما المناطق الشمالية بأسم آشور. وقد تعلم الناس ان عليهم ان يعملوا ليأكلوا. فعملوا على تصريف المياه من الاراضي التي استقروا فيها وشقوا الانهار واستصلحوا التربة في اقدم نشاط زراعي عرفه التاريخ، استعملت فيه وسائل اولية وادوات بدائية.

كانت معظم الاراضي يومذاك مغطاة بالاعشاب المائية والقصب والبرك الغنية بالسمك. فالمياه كانت وفيرة كافية للري في الصيف لأرواء قطعان الماشية من الماعز والغنم.

وهكذا توفرت لتلك الجماعات البشرية الاولى الشروط اللازمة للعيش. فلا عجب من ان يلقوا هنا عصا الترحال بعد ان نقلوا معهم ما استطاعوا حمله من ممتلكاتهم البسيطة وادواتهم الحجرية وبذور الحبوب.

ومما يجدر ذكره ان تاريخ المجتمعات الزراعية قد ارتقى الى عصرالعبيد (بضم العين)

الذين عاشوا على مقربة من موقع اور، المدينة السومرية العتيقة. فقد اظهرت التنقيبات الاثرية في القرن التاسع عشر على بصمات لغة غير معروفة، خاصة بعد ما اكد الباحثون بان الاثار المكتشفة ليس لها علاقة بالحضارة السامية. وعلى الرغم من جهلنا بالاسم الذي كان يحمله ذلك الشعب المجهول الهوية، الاّ اننا عرفنا من الكتابات التصويرية بأن لغة الاسماء، دجلة والفرات : هي غير سومرية. كانت تدعى في حينها

ادجلات و بوراتيوم.

لقد شجع التقدم الزراعي السومريين على تشييد مخازن لحفظ الغذاء تماشيا مع تزايد عدد السكان وتأسيس المدن، فحدث تغيير في بنية المجتمع الذي عرفنا اخباره عبر الحفريات الأثرية. اما المنشئات العمرانية التي اقيمت في الالف الرابع ق م فهي منشآت دينية ومدنية وعسكرية. لم تكن هناك وسيلة لتسجيلها لان الكتابة المسمارية لم تكن قد اكتشفت بعد. هكذا فان فجر التاريخ في العراق القديم يرقى الى الالف الثامن ق م اي الى ما قبل العصر السومري بالاف السنين ـ 11 ـ هذا ما يصرح به الباحث الشهير صموئيل نوح كريمر.

في الثلاثينيات من القرن الماضي قدمت الى العراق بعثة المانية وبدأت في ابحاثها الآثرية واستمرت لأعوام كثيرة ونشرت تقريرها ثم توقفت عن البحث بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية. ثم استأنفت اعمالها بعد انتهائها بأدارة جديدة، قادها العالم الأثري البارز – لانسن – الذي تمّ على يده اكتشاف معبد اينانا الذي كان مكرسا لعبادة الهة الخصب والحب في الدولة السومرية.

الى دراسة جديدة في الأحد القادم !

* مقتبس من كتاب الواح طينية لصموئيل كريمر جامعة شيكاغو 1963

11 ـ تي جاكيسون ما قبل الفلسفة الانسان في مغامراته الفكرية.الاولى ترجمة

جبرا ابراهيم جبرا بيروت 1982

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here