اشارات الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر عن القرآن الكريم من سورة التوبة (ح 89)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في منتدى جامع الأئمة في خطب الجمعة للسيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: اريد ان اتحدث في هذه الجمعة عن الغجر وهم حسب فهمي اغرب امة في العالم من حيث مجموع الصفات التي لديهم، مضافا الى غموض انتسابهم السابق الذي لعله مضى عليه عشرات الالاف او مئات الالاف من السنين. ويمكن حصر اهم الاوصاف التي يمكن استنتاجها من حالهم الفعلي كما يلي: اولا: هذه الصفة يعني الغجري لا تكون الا بالولادة والنسب فابن الغجري غجري وليس غيره ولا يمكن الالتحاق بطريقة او باخري بالنسب الغجري، بطبيعة الحال حتى لو اتخذ الفرد مسلكهم في الحياة فإنه لن يكون غجريا. وهذا معناه ان لهم جدا واحد قديما الله اعلم بحاله وبلغته وبمحل سكنه وإن كان المشهور ان اصلهم من الهند ولم يثبت ذلك بوضوح كامل.

ثانيا: انهم موجودون في مختلف بقاع العالم وينطقون باللغات المحلية في مواطن وجودهم مع تحريف قليل يخصهم أي ليس تلك اللغة بالضبط يزيدون وينقصون فيها لانهم يعتبرون انفسهم في كل مناطق وجودهم قوما مستقلين عن المجتمع الذين هم فيه، أو الذي هم فيه وطائفة قائمة بذاتها تعمل حسب تقاليدها الخاصة وغير مقيدة بالمجتمع الذي تعايشه لا اجتماعيا ولا لغويا ولا دينيا. ونفس هذا التسلسل الفكري ينتج ان ليس في السكان الأصليين لافريقيا وهم السود ليس منهم غجر، كما ليس في السكان الأصليين في استراليا وامريكا الشمالية وامريكا الجنوبية. وإنما المنبع الاصلي للغجر هو النسل الابيض الموجود في هذه القارة الثنائية استطيع ان اسميها بالقارة الثنائية المتكونة من آسيا وأوروبا إلا أن هذا وحده لا يكفي للتحديد بطبيعة الحال ويكون مجالا واسعا جدا ولا يخلو من غموض.

ثالثا: انهم بالرغم من تعدد لغاتهم وتباعد مناطقهم فإن جنسيتهم واحدة وعاداتهم مشتركة ويحسون بالتعاطف فيما بينهم أكثر مما يحسون بالتعاطف مع مجتمعهم الذي يعيشون فيه. رابعا: أن لهم عادات مشتركة شاذة عن طريق الانسانية المتفق عليها أو المتفق عليه بين عقلاء البشر كما هي شاذة عن الاديان كلها بل لعل الغجري لا يحسب انه متدين اصلا يعني لا يحسب انه مسلم او مسيحي او يهودي واذا كان يخطر في باله ذلك فهو ليس مهما ويعتبره شيئا ثانويا في حياته وانما المهم هو كونه غجريا وملتزما بصفات وعادات الغجر لا اكثر ولا اقل. ويغلب على عاداتهم التسيب الأخلاقي والرفض للقيود الانسانية والدينية فتجد عندهم الموبقات كلها من الزنا والسرقة والكذب والخيانة والغناء هو الصفة الغالبة على نسائهم.

وهذا أنتج أمرين مؤسفين: الامر الاول: انهم اصبحوا طائفة مذمومة من كل البشر ولا يحسن الظن بهم احد من غيرهم اطلاقا لان خطرهم على المجتمع الذي يعيشون فيه موجود بشكل وآخر. فمن الصعب أن يشعر المجتمع بالارتياح اليهم أو التعاطف معهم وخاصة وان الكل يشعر بتعصبهم لنسبهم وعاداتهم ونفورهم النفسي من الاساليب الاخرى. الامر الذي ينتج النفور من الطرف الاخر ايضاً كما هم نافرين من المجتمع فالمجتمع أيضا ينفر منهم بطبيعة الحال وهو كل البشرية فيكونون مذمومين على مستوى البشرية والعياذ بالله فاصبح الغجر طائفة مذمومة ومنبوذة بشريا لو صح التعبير. وحسب فهمي فانهم لا يشاركون المجتمع في الاعم الاغلب لا في دين ولا في دنيا فمن الناحية الدنيوية إذا نظرنا إلى الاعمال الدنيوية نرى نسبة مشاركة الغجر فيها قليلة جدا، فلا نجد منهم ممثلين مثلا او رياضيين او تجار مشهورين او حملة شهادات عالية فلا يوجد شيء من هذا القبيل. وانما اكتفوا لأنفسهم بواقعهم الضئيل محافظة على عاداتهم لا اكثر ولا اقل. كما أنهم لا يشاركون المتدينين والمتشرعة في دينهم وخاصة فيما يرتبط بالإسلام مع العلم أن كثيرا منهم يعيشون في مجتمع مسلم فليس منهم إلا النادر من يشارك في الحج او في صلاة جماعة أو في صلاة جمعة او مجلس تعزية كما لا يدفعوا خمسا ولا زكاة كما لا احسبهم يحضرون مناسبات المجتمع الذي يعيشون فيه من وفاة او ولادة أو زواج او غير ذلك الا نادرا او صدفة والا الاعتيادي ليس كذلك كما انهم لا يهمهم الاصلاح الاجتماعي لا لأنفسهم ولا لغيرهم ولا يتدخلون في السياسة ولا تجر منهم اي احتجاج او تمرد على ما يمرون به هم أنفسهم من مصاعب حتى في الدول التي تكفل الحرية الشكلية فضلا عن توقع الاحتجاج للمصاعب التي يمر بها إخوانهم الذين يعايشونهم في المجتمع كأنهم لا يحسون بآلام الغير وآماله اطلاقا.

الامر الثاني: الناتج من حالهم انهم حيث يشعرون بأهمية عاداتهم وصفاتهم ويشعرون بالانعزال عن المجتمع ويشعرون بضعف الوازع الديني وقلة اهمية الدين في انفسهم وعقولهم اذن ينتج من ذلك عدة امور: الامر الاول: انه من الصعب جدا ان يذهب اليهم من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لو ذهب إليهم ما أطاعوه لأنهم يعتبرونه غريبا عنهم لأنه ليس بغجري وغريبا عنهم في رأيه لأنه يخالف عاداتهم المهمة جدا في نظرهم. الامر الثاني: انه من الصعب جدا ان نجد غجريا يمكن ان يكون متفقها ومهتديا ودارسا لشيء من العلوم الدينية فضلا عن ان يكون رجل دين ويشارك في الحوزة الشريفة لكي يذهب ويهدي قومه كما قال تعالى: “فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” (التوبة 122) لان اتجاههم في التعصب موجود لدى كل الغجريين وهو يحفظونه فيما بينه جيلا بعد جيل ويلقنونه للأجيال المتأخرة منهم فلم تجدوا اي رغبة لأي واحد منهم في تلقي الهداية الدينية او العلوم الدينية.

الأمر الثالث: أنه من الصعب جدا أن يتقبلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما اتضح لا من داخلهم ولا من خارجهم الأمر الذي ينتج استمرارهم بعاداتهم الشاذة و أساليبهم القديمة ومن الواضح أن الاتجاه التقليدي للحوزة الشريفة الان هل فكرت بالغجر طرفة عين. انتم انشاء الله ترون مني الغرائب دوما وهذا منها. اذكركم ببعض الأمور التي قلما يلتفت اليها الملتفتون وهي معايشة ولكن يراد لها قليلا من الانتباه والذكاء ليس أكثر من ذلك. ومن الواضح أن الاتجاه التقليدي للحوزة الشريفة لا يحتمل ان يخطر في باله التصدي لشيء من هذا القبيل: اولا لأنه لا امر لمن لا يطاع. وهو يعني الغجر لا يتقبلون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اذن انا لماذا اذهب واتكلم فاستريح احسن لي هكذا فقط.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here