تجربة البعث والأطار التنسيقي

عندما عاد البعث للسلطة في عام 1968 وهو يرث تاريخ أسود ودموي نتيجة أعمال أنقلاب شباط 1963 أراد تغيير هذه الصورة من أذهان الناس .
غازل كل خصومه الخارجيين في بداية عهد الحكم (الأكراد من خلال بيان أذار والشيوعيين من خلال مباحثات لأقامة الجبهة على غرار تجارب دول أشتراكية ).
بنفس الوقت لجأ لتصفية خصومه من داخل السلطة (حردان وعماش والنايف وووووو) .
جاء الدور بعدها للسيطرة على الخصوم الخارجيين (الأكراد ،الأسلاميين ،الشيوعيين والديمقراطيين).
كل واحد من هؤلاء تعامل البعث معهم بطريقة خاصة .
الأكراد بعد أن أستنفذ الفائدة من بيان أذار  قام بأنهاء الحركة الكردية بالسلاح من خلال تجريد الحركة من داعمها الأساسي الشاه الأيراني عبر الأتفاقية مع الشاه لرفع الدعم العسكري عنها مقابل منح أيران أجزاء كبيرة من شط العرب . .
الأسلاميين عبر قمعهم بلا هوادة.
الشيوعيين عبر خداعهم في المشاركة بالحكم من خلال الجبهة عام 1973 ومن ثم تصفيتهم بعد أن أستقرت  الأمور جيدأ له وهذا ما حصل أعوام 1978-1979
خلال هذه الفترة وخاصة منتصف السبعينات بدأ البعث يدرك أهمية طرح شخصية قائدة قوية تداعب مخيلة البسطاء من الناس لخلق أوهام حول قدرة هذه الشخصية القوية والبسيطة في تعاملها مع الناس لآدارة البلد مثلما كان يعمل الملوك والسلاطين القدماء .
لهذا السبب وغيرها من الأسباب وجد البعث في  شخصية صدام حسين الشكل المناسب لهذه المهمة .
بدأ الرجل يتقرب من الناس البسطاء عبر زيارات مفاجئة لبيوتهم ويرتدي الملابس الشعبية لتلك المناطق ،بدأ يزور أماكن العمل وغيرها من الأعمال المصحوبة بتضخيم أعلامي كبير ومكرر بكل نشريات الأخبار يصاحب هذه الزيارات الوعيد لحل مشاكل الناس ومحاسبة المقصرين بأشد العقوبات .
السذج من الناس بدأوا ينظرون أليه كرجل سيأخذ بيده العراق الى أيام السلاطين لحل كل مشاكلهم وبنفس الوقت تناسوا أن الدول لا يبنيها الأشخاص وأنما المؤسسات والخطط والبرامج الصحيحة. 
معلوم للجميع كيف كرس صدام كل تلك المرحلة لحزبه اولأ ومن ثم لشخصه ولعائلته ومن بعدها جاءت النتائج الكارثية التي أوقع البلاد  فيها والتي ليومنا هذا ندفع ثمنها.
تعالوا  معي اليوم لنرى ماذا يفعل الأطار التنسيقي الذي يتكون من عدة جهات حزبية اسلاموية ولكنها مشتركة بالولاء للطائفة ولديها أذرع عسكرية مسلحة (مليشيات ) ومؤسسة عسكرية رسمية تحت يدها (الحشد الشعبي).
بعد فشلها في ادارة الدولة منذ سقوط البعث ومسؤوليتها المباشرة على أنتشار ظواهر الفساد وأدارة الحكم من خلال المحاصصة وقتل الخصوم وخاصة جرائم أنتفاضة تشرين عام 2019 وأنتشار ظاهرة المليشيات المسلحة التابعة لهذه الأحزاب والتي باتت تتحكم بالحكم من خلال قوة السلاح هذا.
يحاول اليوم هذا الأطار تحسين صورته بأعين الناس بعد أن أستقرت السلطة لهم بمشاركة من يتفق مع توجهاتهم السيئة من خارج هذا الأطار (الأكراد والسنة وووووو) عبر طرح شخصية رئيس الوزراء الجديد (محمد شياع السوداني) كمنقذ لمشاكل وهموم البلد من خلال البدء بوعود الناس بتغيير الأحوال للشكل الذي تريده بعد أن تعبت هذه الناس من سلسلة الحكومات السابقة وبأسلوب مسرحيات الزيارات المفاجئة لمؤسسات الدولة مثلما فعل بزيارته لمستشفى الكاظمية وظهوره بدور الحريص والبطل والمتفاني لحل كل مشاكل هذه المؤسسة .
هو تناسى أن هذه المسرحية لعبها البعث سابقأ بطريقة افضل بكثير منه والناس خبرت وعرفت هذه اللاعيب ولا تنطلي عليها من جديد هكذا أفلام والسبب هو:
أن حل مشاكل الواقع الصحي المتردي بالعراق لايحل بطريقة معاقبة بعض الأطباء مثلما فعل هو لأن واقع هذه المستشفيات مسؤول عنه هو أولا كرئيس لكل مؤسسات الدولة ومن بعده وزير الصحة ومحافظ المدينة ومدير مستشفى الكاظمية .
أن كان للبلد مؤسسات لديها خطط وبرامج صحيحة تعمل على تنفيذها بشكل صحيح مثل بقية دول العالم لما وجدنا هذه المصائب في كل قطاعات الصحة وقطاعات البلد الأخرى .
هل ما قام به السوداني يعني بأن يقوم هو في كل يوم بزيارة لمؤسسة لكي يصلح حالها أن كانت حلوله صحيحة اصلأ؟ 
ما دور المؤسسات والوزارات أذن ؟
أعتقد بأن المقصود وهو لا يخفى على أبسط أنسان بهذه الزيارات الميدانية التي لا تحل أزمات البلد المستعصية هي لكي تدغدغ مشاعرالناس البسطاء وتبرز المساوئ في الحلقات الضعيفة من مؤسسات السلطة (ليذهب أذا كان حقأ يريد معالجة حقيقية لأزمات الدولة الى المؤسسة العسكرية والأمنية ،ليذهب للحشد الشعبي ،ليذهب لفساد وزارة النفط ….).
هذه التمثيليات لن تفعل أي شئ لأصلاح الوضع العام .
هي تجميل لمؤسسة سياسية (الأطار التنسيقي) مسؤولة عن الفساد والخراب وبطريقة ساذجة وعفى عليها الزمن ولن تدوم .
الأطار التنسيقي وكل منظومة الحكم الفاسدة التي حكمت العراق بعد عام 2003 هي مسؤولة عن خراب البلد وبالتالي لن تكون جزء من الحل الصحيح والجذري لكوارث البلد لأن هذا يعني نهايتها وساذج ومشارك في الخراب من يحاول مرة أخرى زرع الأوهام بامكانية أصلاح خراب البلد من خلال السوداني والأطار أو حتى الترويج لفكرة أعطوه فرصة ليعمل ومن ثمة أحكموا على أعماله .
الناس أعطت لمن قبله (الكاظمي ) وغيره من الحكام الوقت الكافي للتغيير الحقيقي ولكنهم لم يفعلوا لأن من جاء بهم للحكم هم نفسهم سبب الخراب الحاصل بالبلد.
الأطار لن يكون هو الحل لمشاكل العراق لأنه هو المسؤول الأول عن الخراب الذي حصل ولازال مع مشاركة أطراف أخرى أرتضت أن تأخذ حصتها من الموارد وتسكت وتشارك في هذا الخراب الحاصل منذ سقوط البعث عام 2003
      2022/11/15 مازن الحسوني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here