العراقي الأسود

حمزة الحسن

مقابل كل ألف عراقي زنجي وأكثر،
هناك سياسي واحد أبيض:
نحن لسنا في العراق بل في جوهانسبيرغ وكيب تاون في جنوب أفريقيا
في زمن الابارتيد الفصل العنصري،
والزنوجة لم تعد لوناً بل فكرة التمييز الطبقي والديني والعشائري والعرقي،
ومن الناحية العملية نحن في مرحلة نظام الابارتيد،
لكنه ملون بالوان زاهية لا تلغي المضمون.
مقابل احياء العشوائيات واطفال المزابل والصرائف ومن ينامون
على الارصفة من كبار السن ومن بين هؤلاء اطباء قدامى واساتذة جامعة وعلماء،
مقابل كل رصيف ومكب نفايات،
هناك مدن” السادة” أصحاب الدم المقدس الأزرق،
مقابل” العامة” أصحاب الدم العادي البشري وهؤلاء حتى يوم الحساب
يحتاجون الى شفاعة أولئك،
الحياة محجوزة كما عالم الموتى محجوز كما لو أننا في أزمنة العبيد وسفن
القراصنة ونظام الدوقات والنبلاء والاقطاع الأوروبي المنقرض،
لا شيء عندنا ينقرض إلا الإنسان،
لأن دورة الاستغلال مستمرة.
في كل قوانين الدول الحديثة شرقا وغربا،
يعتبر تصنيف الناس على أسس سلالية وبيولوجية
هو نوع من العنصرية ومرض التفوق
لا تختلف عن عنصرية:
العرق واللون وعنصرية التمييز القانوني للناس حسب جذورهم الطبقية،
او العنصرية الثقافية والتمييز حسب اللهجة والزي ومكان السكن والمهنة والشارع والعشيرة والمنصب والخ.
حاول الاسود الافريقي الهرب من لونه بالبحث عن هوية اوروبية،
عن طريقة لغة فرنسية او اجنبية،
أو الاقتران بشقراء قد يكون منقذاً،
في السرير وفي العتمة كل القطط رمادية،
تختفي الالوان لكن يكتشف الاسود الأفريقي كتوأمه العراقي الأسمر،
أن قصة الحرية والعدالة والمساواة ليست بهذا التبسيط الساذج،
أو الفخ أو الانكار أو التحايل على الذات.
لكن أين يجد العراقي لورا أو دومنيك أو فرانسواز أو جوليا،
لكي يخلص من خطابات القبنجي والشيباني والمهاجر ومن لف لفهم.

أروع من جسد علاقة الشرق بالغرب هو الطيب صالح في روايته:
” موسم الهجرة الى الشمال”.
ليس أمام العراقي غير فطيم وحسنة وجاسمية الملحات
والغارقات مثله بالسواد وطياح الحظ والعبودية
والباقي فقط عطر القرنفل والخزامي؟
العطر وحده لا يزول أمام انقراض وتلاشي الأشياء.
انهارت نظم دكتاتورية وايديولوجيات وافكار وقصور ومعتقلات
وثكنات ونظريات وقناعات ومدن،
لكن بقي عطر القرنفل . from Outlook

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here