ماذا بعد سرقة حساب الامانات في هيئة الضرائب

د. أحمد حسين البدري / باحث وكاتب اقتصادي

في المؤتمر الاسبوعي الأسبق تساءل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: هل يمكن تحديد كمية الأموال المسروقة؟ وهل يمكن للجهات الرقابية سواء كان ديوان الرقابة المالية او هيئة النزاهة من تحديد مقدار الاموال المسروقة؟ ونحن نتساءل! هل ان قضية سرقة حساب الامانات في هيئة الضريبة هي الأولى والأخيرة؟ وهل ان التعاقد مع شركات رقابية دولية يمكّن الدولة من معرفة مقدار الأموال المسروقة؟ هل ان الفساد يقف عند عملية تهريب النفط او عند نافذة بيع العملة او شراء ادوية فاسدة او بناء مدارس وهمية او عند عقود التسليح (في الحقيقة ان البحث عن مصير الأموال المهدورة في صفقات التسليح المشبوهة كالبحث عن إبرة في كومة قش، ولا يمكن في كل الاحوال الوصول الى رقم دقيق عن حجم تلك المبالغ. فشل المتخصصون في الوصول الى نتائج نهائية في التحقيقات التي فتحت لهذا الغرض، بسبب ارتباط الصفقات بمسؤولين في قمة هرم الحكومة)، او يقف الفساد في هيئة الضرائب او في هيئة الكمارك او في حساب الامانات او في حساب الامانات بكل الوزارات ودوائر الدولة او في حسابات وسيطة اخرى مثل حساب السلف، وهل ان سرقة حساب الامانات هي السرقة الاخيرة او هنالك سرقات اخرى الآن او في المستقبل القريب والبعيد؟ وربما يتساءل الغير عن الأماكن والكيفية والالية والمواضيع او الحسابات التي لا يمكن السيطرة عليها وحمايتها من ظاهرة الفساد؟ وربما نتساءل ايضا على اي نوع من الفساد يتحدث رئيس الوزراء عن الرشوة او الاختلاس او هدر المسؤولين الكبار في الحكومة للأموال العامة او عن القوانين المرنة التي تساعد كبار السؤولين على الفساد!
ان ظاهرة الفساد انتشرت انتشار واسعا في كل الوزارات ولا يمكن حصر الاموال المهدورة والمسروقة في اماكن معينة في الدولة او في وزارة معينة او في هيئات معينة. ولا توجد شركات خاصة في العالم تعطي ارقام دقيقة للأموال المسروقة، وخير دليل على هذا الكلام ان مؤشر مدركات الفساد الذي يصدر سنويا من منظمة الشفافية الدولية لمعظم دول العالم، وهي تعتبر اكبر منظمة عالمية تقيس معدل الفساد في العالم ، المؤشر الذي يصدر عنها مؤشر تخميني وليس حقيقي مبني على اساس تصورات الخبراء ورجال الأعمال للفساد في القطاع العام. بكل وضوح ان السارق اياً كان فرد او حكومة يخفي حقيقة السرقة.
ان التساؤلات على قضية الفساد في العراق متعددة ولا يمكن حصرها في وزارة او هيئة او في حساب الأمانات او السلف. لقد مرت (20) سنة والدولة تسير الى المجهول , ومن أهم الاسباب التي لا يمكن لرؤساء الوزراء في العراق من تحقيق ادعاءاتهم هي عدم مقدرتهم على محاسبة المتهمين بالفساد , لكون لا توجد لديهم القوة والمقدرة الكافية لمحاربة رؤوس الفساد , لان هذه المرحلة اختفت فيها مؤسسات الدولة واصبحت لغة السلاح والأنفلات الأمني هما سيدا الموقف ولا احد يسعى الى تقوية الدولة , فضلاً عن المحاصصة التي من خلالها تبحث بعض الكتل والأحزاب عن مصالحها السياسية ، أي أن التركيز أصبح على مصلحة الحزب وليس مصلحة البلاد، وهنا يكمن بيت القصيد. ان المشكلة في البلاد ليست في النظام الدستوري ، لان النظام هو نظام برلماني انتخابي ، والحكومة يختارها البرلمان ممثل الشعب ، لكنه ليس نظام أغلبية بل نظام تمثيل نسبي ، والدول التي لديها مثل هذا النظام تعاني من مشكلة تشكيل الحكومة ، لعدم وجود أغلبية مؤلفة من حزب أو حزبين يحصدون الأغلبية النيابية. فالتمثيل النسبي هو الأقرب للتمثيل الديمقراطي ، لكن مشكلته تكمن في الكتل المتعددة التي يجب الحصول على موافقتها لتوليف السلطة التنفيذية. وبما ان كل حزب من هذه الأحزاب يعمل لمصلحته السياسية وليس لمصلحة البلاد ، هذا واحد من الاسباب الذي يجعل مهمة رئيس الوزراء مهمة صعبة لمحاربة الفساد , وهنا بطبيعة الحال نحن نفترض نزاهة رئيس الوزراء , اما اذا كان رئيس الوزراء غير نزيه , فالكلام يختلف تماما فيصبح رئيس الوزراء وحكومته اصلا شركاء بالفساد , وبالتالي لا يستطيعون تسليم ملفات المتهمين بقضايا الفساد من احزابهم او المنتمين الى غير احزابهم إلى المحاكم وهيئة النزاهة ، وبالتالي هنا نتساءل عن مدى مصداقية هذه الحملات من قبل تلك الحكومات.
وهذا ايضا ما ذهب اليه الدكتور موسى فرج حيث يقول ان الحكومات المتعاقبة لا تستطيع استعادة الأموال لأنها تفتقر إلى الشرعية السياسية والأدبية اللازمة لذلك، فهي متورطة في الفساد وقائمة عليه ومنبثقة عنه ومنه، ما يعني أن فتحها لملف الفساد هو بمثابة تقويض للشرعية التي تستند إليها ونقض للصفقة المحاصصاتية التي أنتجتها. كما لا تقدر الحكومات على خطوة استرجاع الأموال المسروقة لأنها تعاني من العجز السياسي الناتج عن انعدام الإرادة الوطنية والعزم الأخلاقي، فهي عاجزة عن إغلاق صنبور الفساد، وعن محاسبة الفاسدين السابقين أو استرجاع الأموال التي استولوا عليها، ويرجع ذلك إلى أن هذه الحكومات جزء من البنية السياسية والمؤسساتية للفساد، وهي أيضا جزء من سياق يحكمه الفساد السياسي الذي يرعى ويغذي الفساد المالي.
ان من أبرز التحديات التي نراها تواجه النظام السياسي في العراق ، هو عدم الفصل بين السلطات الثلاثة ، القضائية والتنفيذية والنيابية ، بسبب تدخل بعض البرلمانيين او الاحزاب في العمل الحكومي التنفيذي ، وكذلك تدخلهم في السلطة القضائية , وهذه خطورة على النظام الديمقراطي ، لأن عدم احترام الصلاحيات والفصل بين السلطات ، النتيجة سوف تكون الفوضى السياسية قائمة وانتشار المحسوبية والمنسوبة وانتشار الفساد , وعلى العكس ايضا يجب على القضاء أن لا يتدخل بالعمل التنفيذي والتشريعي. أي عليه أن يكون مستقلاً لا يتدخل بشؤون السلطات الأخرى. ولا الأخرى تتدخل في شؤونه. لأن التداخل بين السلطات يقود إلى كارثة في البلاد. لذا ان ضعف الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد سقوط النظام السابق , يعود إلى التداخل بين السلطات ، حيث يتدخل بعض النواب بتعيين قادة أمنيين ، بينما هذه من صلاحيات رئيس الوزراء ، القائد العام للقوات المسلحة ، فتراجع رئيس الحكومة يسمح بتدخل الآخرين بتعيين الأمنيين وهذه كارثة بحد ذاتها، لأن القائد العسكري الذي يتم تعيينه عن طريق حزبي معين، سيدافع عن حزبهِ وليس عن الوطن، وهذا الخلل أصاب المنظومة الأمنية والعسكرية سابقاً، والآن نفس الأسباب تعود لأن محورها الفساد. لذا أن العراق سوف يكون في نفقٍ مسدود في حال عدم تجاوز هذه الممارسات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here