الفراهيدي!!

الفراهيدي!!
“إن الخليل بن أحمد كان عقله أكبر من علمه”
الخليل بن أحمد الفراهيدي عاش سبعة عقود (100-170) هجرية في البصرة , مؤسس علم العروض , وواضع أول معجم للعربية , وتتلمذ على يده سيبويه والأصمعي وغيرهم من جهابذة لغة الضاد.
ومن مؤلفاته: معجم العين , العروض , معاني الحروف , الإيقاع , النغم , النقط والتشكيل , الشواهد , وغيرها.
إعتمد التفكير أساسا لمنهجه العملي الأصيل في الإقتراب من اللغة , وتشريحها حرفيا وإيقاعيا وصوتيا , حتى صار لكل حرف من أبجدياتها خصائصه المتنوعة.
وقد بلغ ذروة العلم فكان يثمل بالأفكار , وما يتوارد إليه من إبداعات إبتكارية لغوية , ويُقال أن هذا الطوفان المعرفي سبب وفاته , إذ كان في ثمول إبداعي فصدم سارية في مسجد ومات!!
الفراهيدي ظاهرة نادرة لا تتكرر في مسيرات الأمم , تنقلها إلى آفاق مطلقة , وتفتح أمامها أبوابا كانت موصدة , فتلهب عقولها وتحفز إبداعها , وهكذا كان الفراهيدي , فبعده إنتقلت لغة الضاد إلى ميادين العلم , وتحولت إلى منبع للمعارف الحضارية الثرية.
وتجدنا اليوم أمام مَن يريدون النيل من ثورته اللغوية , فيأتون بنظريات مستوردة وبموجبها يقولون أن الثورة الفراهيدية قد إنطفأت وعلينا أن نتجاوزها , ونجهز على اللغة وأركانها بذريعة المعاصرة والتجديد , والتفاعل مع الزمن المُبتلى بعدم ثقتنا بأنفسنا , وتوهمنا بأن الأجنبي أفضل , وعلينا أن ننكر تراثنا المعرفي والروحي ووجودنا وذاتنا وهويتنا.
فبدلا من إظهار الثورة الفراهيدية , وإطلاق أنوارها ومشاعلها , ومناهجها العلمية الرصينة , وإعمالها للعقل وتفاعلها الجريئ مع التحديات والمستجدات , تجدنا نتخذ الآخر مقياسا لأحوالنا , وعندنا الفراهيدي وأمثاله من أساطين المعارف والعلوم , الذين يجب أن يكونوا مقياسا لكينونتنا في أي زمان ومكان , لا الآخرين!!
فكم مؤلم أن يهاجم أبناء الأمة رموزها المشرقة التي أسست لوجودها العزيز!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here