فيلم دعائي سويدي يروج لنظرية المؤامرة ضد المهاجرين

إيهاب مقبل

توصلَ البرلمان السويدي في عام 1975 إلى قرار يقضي بأن تصبح السويد دولة «متعددة الثقافات». وبعد أكثر من 45 عامًا بقليل، باتَ هذا القرار الأساس في أجندة اليمين المتطرف للترويج لـ«نظرية المؤامرة»، إذ أصبحَ «الرجل اليهودي» المهندس الرئيسي لمجتمع متعدد الثقافات.

أطلقت شركة «باليسترا ميديا» اليمينية المتطرفة، والتي يديرها «يوناس نيلسّون»، المعروف بعضويته الفعالة في حركة المقاومة السويدية النازية «حركة المقاومة النوردية»، الفيلم الدعائي «لماذا السويد متعددة الثقافات؟ إنتاج 2021» على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مع الدعوة لنشره دون الإشارة إلى حقوق الإنتاج. تلقى الفيلم، والذي مدته نحو ساعتين، ردود فعل إيجابية على الفور بين أوساط كبيرة من اليمين المتطرف السويدي، وانتشرَ بشكل أكبر في مجموعات متنوعة من القنوات باللغتين السويدية والإنجليزية.

يرسم الفيلم صورة بالأبيض والأسود للسويد كدولة منقسمة بسبب «سياسة الهجرة». ويروج الفيلم لفرضية أن قرار البرلمان السويدي في العام 1975 هو سبب تردي الأوضاع في البلاد، وأنه كان مدفوعًا بدوره بـ«المصالح اليهودية»، ليس أقلها عن طريق الصحفي والمناظر الاجتماعي «ديفيد شوارتز». إنها نظرية المؤامرة، والتي انتشرت بين أوساط كبيرة من اليمين المتطرف السويدي.

يبدأ العرض المشؤوم للفيلم بالقول: «هذه هي أهم قضية في عصرنا، وإذا تمكنا من فهم كيف ولماذا انتهى بنا الأمر على هذا النحو، فسيكون بمقدورنا حينها إتخاذ إتجاهًا نحو مجتمع يتحلى بالسلام». ويظهر في غلاف الفيلم غيومًا سوداء كثيفة فوق شارع مهجور، وهو شارع روسين باد «شارع حَمّام الورد» في قلب العاصمة ستوكهولم، باستثناء امرأة مُسلمة عابرة تسير عليه، وهي ترتدي الحجاب الإسلامي وعباءة سوداء طويلة تغطي كامل جسمها باستثناء الوجه، وعلى الغلاف أيضًا صورة كبيرة باللون البني الغامق للسياسي الإشتراكي السويدي «أولوف بالمه».

يريد النازيون الجدد القول في الفيلم أن مشروع جذب المهاجرين للبلاد قدْ غير وجه السويد إلى درجة لا يمكن التعرف عليها، من دولة متجانسة عرقيًا وثقافيًا مع قوة في الأمن، إلى دولة مهترية معدومة الأمن خسرَ فيها السويديون موقع الأغلبية، وقدْ حدث هذا في غضون بضعة عقود فقط. ويحاول النازيون الجدد في الفيلم إرسال رسالة للسويديين مفادها أن «السويد لم تعد موطنًا للسويديين بسبب الهجرة إليها من الشرق الأوسط وأفريقيا، وإنه ينبغي عليهم التصدي للهجرة والسياسيين المؤيدين لها».

يزعم الفيلم أن فكرة إنشاء السويد كدولة متعددة الثقافات ولدت في الستينيات عن طريق اليهودي البولندي السويدي ديفيد شوارتز «تولد 1928 – توفى 2008»، والذي كتبَ العديد من المقالات في صحيفة «داغنس نيهيتر» ومجلة المهاجرين والأقليات، والتي تدعوا لجذب المهاجرين للبلاد بهدف إنشاء مجتمع متعدد الثقافات، ولكن حسب النظرة النازية فإن الهدف الحقيقي لشوارتز كان يدور حول تفكيك الوحدة العرقية في البلاد. ويزعم الفيلم كذلك أن خطة شوارتز كانت قدْ رسمت صورة مسبقة على أن المهاجرين لن يكيفوا ثقافتهم مع الثقافة السويدية، وبدلًا من ذلك فأنهم سيعيشون في السويد في ضوء ثقافتهم الخاصة. ويقتبس الفيلم جملة لشوارتز يقول فيها: «لا يوجد أدنى شك في أن التنوع العرقي والعداوات العرقية ستكون السمة البارزة للسويد في المستقبل.. ستصبح السويد مجتمعًا متعدد الأعراق مع تناقضات اجتماعية وعرقية».

ويظهر الفيلم كيف كان شوارتز منخرطًا بعمق في سياسة الهجرة السويدية منذ ستينيات القرن الماضي، وكيف كان السويديون يقفون بوجهه لتجنب تحويل السويد إلى مجتمع متعدد الثقافات، ولكنه دعا السويديين لتوخي الحذر وعدم الوقوف بوجه المشروع، في إشارة إلى أن اليهود هم من يقفون وراء هذه الأجندة. كما ضم شوارتز رئيس الوزراء السويدي السابق أولوف بالمه والاشتراكيين الديمقراطيين في مهمته، والذين بدأوا في العام 1985 بإصدار قرارات للتشجيع على الهجرة إلى البلاد كما جاءَ في الفيلم.

تشير معظم البراهين إلى أن نظرية المؤامرة حول التأثير اليهودي على التعددية الثقافية السويدية بانها مستوحاة من الكاتب الأكاديمي الأمريكي «كيفين ماكدونالد»، والذي يركز أكثر على اليهود، ويدفع بهم في أطروحاته على أنهم مؤثرين، إذ يقول في أحدى أطروحاته في العام 2004: «يستحق تأثير اليهود على سياسة الهجرة في الولايات المتحدة إهتمامًا خاصًا.. يوجد صراع عرقي بين اليهود وغير اليهود فيما يتعلق بسياسة الهجرة».

ويزعم ماكدونالد أن اليهود في الولايات المتحدة ودول أخرى قدْ ضغطوا على السياسيين بهدف زيادة الهجرة إلى الغرب، إذ يقول: «يبدو أن الاستنتاج المعقول هو أن المنظمات اليهودية دعت بشكل موحد إلى الهجرة الواسعة لجميع المجموعات العرقية والإثنية إلى المجتمعات الغربية، كما دعت أيضًا إلى نموذج متعدد الثقافات لهذه المجتمعات».

في الفيلم الدعائي السويدي «لماذا السويد متعددة الثقافات؟» يمكن ملاحظة بوضوح التقاط النازيين الجدد لأفكار ماكدونالد.

وبحسب نظرية المؤامرة، فإن الجوانب السلبية للتعددية الثقافية ليست مجهولة بأي حال من الأحوال لمجموعات الضغط اليهودية، إذ يقول النازيون الجدد في الفيلم: «التناقضات التي نعيشها اليوم هي نتيجة مباشرة للتنوع الذي دعا إليه شوارتز، والذي كان بنفسه بجانب قادة الرأي اليهود ومجموعات الضغط على دراية تامة به، وإلا لماذا لا يطبقون نفس الشكل من التنوع في إسرائيل؟!».

يلخص الفيلم نظرية المؤامرة بأن نفوذ اليهود يتزايد في السويد، وفي الوقت نفسه يخسر السويديون بشكل متزايد السيطرة على أمتهم، وعندها يكون الوضع على ما هو عليه اليوم، حيث تؤثر أقلية صغيرة جدًا «فقط 25 ألف يهودي يعيشون في السويد» بصورة كبيرة على سياسة البلاد.

كان ديفيد شوارتز شخصًا نشطًا جدًا في الصحافة السويدية. ولكن الزعم أن سياسة الهجرة، وما تمر به البلاد من ضعف في جميع المجالات والأصعدة، مؤامرة يهودية للقضاء على «الأمة السويدية والعرق الأبيض» ليس إلا مجرد هراء، ولكن الفيلم في محتواه الأعمى يُشكل تهديدًا خطيرًا على أمن وسلامة ووجود المهاجرين في السويد.

الغلاف الخارجي للفيلم الدعائي

https://l.top4top.io/p_2513zvcyv1.jpg

النسخة الإنجليزية للفيلم:

النسخة السويدية للفيلم:

انتهى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here