دولة سومر، النبع الاول للحضارة الانسانية ! (*) د. رضا العطار
أصل السكان !
ذكرنا في الحلقة السابقة بأن العالم الأثري الالماني البارز – لاتسن – قد قاد حملة التنقيب في موقع الوركاء قرب مدينة السماوة في اعقاب الحرب العالمية الثانية والتي اسفرت عن اكتشاف معبد اينانا الذي كان مكرسا لعبادة الهة العشق والخصوبة في الدولة السومرية. كان هذا المعبد مطمورا ضمن اربعة عشرة طبقة ترابية. ظهر من بينها :
1 – تمثال رائع لرأس احدى سيدات مدينة الوركاء. 2 – البرج المدرج. 3 – هيكل الزقورة. 4 – نقوش لأختام مصنوعة من الأحجار الكريمة.
وفي عام 1920 اكتشف العالم – لنكدون – في موقع جمدة نصر وكيش في محافظة بابل على اثار مهمة تدل على ظهور الاسرات الحاكمة في دولة سومر، يرجع تاريخها الى 3200 ق م ( 12 )
كما اظهرت الحفريات الاثرية في موقع الوركاء على كؤوس واباريق ورسوم، تميزت بأشكال هندسية ملونة بالأسود. وعرفوا ان النظام السياسي للمجتمع السومري كان يتكون من الملك، رأس السلطة المدنية الذي كان يدعى – ان – والكاهن – ان سي – ويعني الرجل الكبير .
يستغرب المتتبع لحضارة سومر عندما يعلم بأن احدى المراحل البدائية للنظام السياسي عندهم كان نظاما ديمقراطيا بكل معنى الكلمة، اي انه كان قد سبق الديموقراطية اليونانية كثيرا. فالسلطة العامة كانت تدار من قبل مجلس قيادة يتكون من كبار المسنين، بينما كانت الجمعية العمومية تضم جميع الرجال الاحرار. فوجود هذه المؤسسة دليل على ان سلطة الملك كانت محددة
يصعب على المؤرخين تحديد العصر الذي ساد فيه النظام الديمقراطي لكنهم عرفوا انهم كان في الحقبة 2700 ق م لكن في اعقاب ذلك النظام ظهر تنافس بين كهنة المعابد وامراء القصور، كانت نتيجتها ظهور كيانات عسكرية ذات نظام استبدادي متمثل في سلطة الفرد، ظهرت تداعياتها في الحروب التي اندلعت بين اجا ملك كيش وكلكامش ملك الوركاء.
كان الملوك يحتكرون لانفسهم الممتلكات ويستغلون الشعب الذي كان يعاني من سياسة الظلم والتعسف حتى تجاوزت قسوتها الى ضريبة الوفاة.
اثناء هذه الظروف التعيسة ظهر الرجل القوي – اوروكاجينا – الذي تسلم زمام السلطة نحو عام 2350 ق م في لكش الكائنة حاليا قرب قضاء الشطرة واعلن برنامجه الاصلاحي. كان الاول من نوعه في تاريخ الانسان، والذي شمل النقاط التالية :
رد الممتلكات التي اغتصبها الملوك الى اصحابها — تقليص نفوذ الاقوياء وتخفيض الضرائب — نشر المساواة — منح الشعب الرعاية الاجتماعية، وتحريم استغلال الفقراء والأرامل والثكالى — تدعيم سلطة الهة الماء – ان كي . (13)
لم يمضي على عهد اوروكاجينا زمن طويل، حتى هاجمه خصمه لوجان زاجيري ملك لكش وقضى عليه. والاخير هذا زعم ان اله الفضاء انليل هو الذي منحه السيادة على مملكة سومر كما جاء في المرسوم التالي :
( عندما احكم قائد الجيش لوجان زاجيري قبضته على البلاد من مشرقها الى مغربها اي من بحر الخليج جنوبا الى البحر المتوسط غربا وما بينهما من دجلة والفرات. كنت انا الآله انليل في مقدمة جيشه وفي عونه، ارويه بماء المسرة )
لقد مكث لوجان في حكمه الاستبدادي زهاء ربع قرن من الزمن، ثم ازيح منه من قبل خصمه سرجون الاكدي حوالي عام 2334 ق م الذي بسط سيطرته على معظم المدن السومرية وغدا موظفوا حكومته يتكلمون باللغة الاكدية بدل السومرية، اقدم لغة عربية عرفت في التاريخ القديم.
يعتبر الملك سرجون اهم شخصية تاريخية في العراق القديم. كان صاحب قدرات خارقة، فقد نسجت حوله الاساطير، يذكرنا بعض ملامحها بطفولة نبي الله موسى الذي يفترض ان يكون مجيئه بعد هذا الملك بألف عام.
ولد سرجون لأب مجهول، ولأم كاهنة على ضفاف نهر الفرات. ارادت امه ان تتخلص منه فوضعته في سلة وتركته في مجرى النهر فتلقفه بستاني ورباه. وعندما كبر دخل في خدمة الملك زبابا الذي عينه في قصره ساقيا لضيوفه. ثم تدرج في وظيفته حتى اضحى من رجاله المرموقين. وعندما وجد الفرصة سانحة انفصل عن سيده وجمع انصاره، ثم اعلن برنامجه السياسي وخاض الحروب ضد زاجيري حتى انتصر عليه وغدا سيد البلاد الأول.
* مقتبس من كتاب الواح طينية السومريون لصموئيل كريمر شيكاغو 1963
1 ـ 12 تي جاكيسون ما قبل الفلسفة، الانسان في مغامراته الفكرية الاولى ترجمة
جبرا ابراهيم جبرا بيروت 1982
13ـ م لامبرت اصلاحات اروركاجينا، باريس 1968
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط