إجراءات عابرة أم نهج شامل؟

محمد عبد الرحمن

في زيارته الى مستشفى الكاظمية أخيرا وجد رئيس الوزراء، وحسب قوله، ان الوضع أسوأ مما كان يتوقع. ولا ندري ماذا كان يتوقع السيد السوداني وهناك المئات من التقارير التي تحدثت وتتحدث عن التدهور المريع في هذا القطاع، وسوء الخدمات يقدمها، وتفشي الفساد في مرافقه، وبيع الأدوية الحكومية، والتلاعب بجرعات اللقاحات والعلاجات الكيمياوية ومنها ما يخص امراض السرطان وغيره، والواسطات والرشاوي في الحجز لاجراء فحص في هذا الجهاز او ذاك، وحالة عدم النظافة المزرية، ومثلها وضعية الطعام المقدم الى المرضى.
وغدت المستشفيات عموما اكبر مصدر ملوث للبيئة والانهار بالطريقة التي تتعامل بها مع النفايات، وبضمنها الخطرة، بل حتى الأطراف المبتورة تجد طريقها الى الأنهار، بدل دفنها اصوليا.
ومستشفى الكاظمية ليس استثناء، فحاله هو حال المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في عموم البلد، وواقع القطاع الصحي غير مرتبط بهذا الطبيب او ذاك الصحي التقني او الاداري، قدر ما يعكس حالة التردي العام في البلد، والذي يشمل قطاعات واسعة سيتفاجأ رئيس الوزراء ايضا عند زيارته مؤسساتها .
وطالما ان الوضع اكبر من قضية نقل ومعاقبة هذا الموظف او ذاك، وله صفته العامة في العاصمة والمحافظات، فان مداخل المعالجة ومقارباتها يتوجب ان تكون شاملة وليس عبر إجراءات مؤقتة، سرعان ما يتم التراجع عنها بعد ان تستغل الواسطات والضغوطات، وهذا ما هو حاصل امام انظار الجميع، سابقا وحاليا. ولعل اسطع مثال على ذلك تعيين مجرَّبين او من لا كفاءة تذكر لهم، كما يكتب ويقول الكثيرون. وقد كان للمحاصصة والتوافقات والترضيات لهذا الكتلة او تلك، دورها الفاعل والمقدّم على الكفاءة والنزاهة والخبرة والقدرة الفعلية على ادارة العمل.
وهناك امر آخر يبدو غريبا وتم رصده في الإجراءات الأخيرة، ليس بخصوص موظفي مستشفى الكاظمية، بل عموما، حيث يلاحظ منحى الإعفاءات والنقل. والسؤال هنا لماذا لا تتم المحاسبة الأصولية وفقا للقانون لمن يثبت تقصيرهم، وحتى يكون ذلك رادعا حقيقيا لمن يسيء الى الوظيفة العامة ويستغلها لمصالحه الشخصية. وان ما أعلنته هيئة النزاهة أخيرا دليل ساطع على وجود هؤلاء، وقد يكون جرى الصمت تجاه أسماء عديدة ولأسباب معروفة!
وهناك حقيقة معروفة جيدا مفادها انك لا تستطيع اصلاح جزء من كل، فيما الأجزاء الأخرى بعضها لم يعد ينفع معه حتى الإصلاح، بل يحتاج الى استئصال جراحي وتغيير جذري.
وهذا التغيير الجذري يتوجب ان يكون تغييرا مؤسساتيا، وليس فقط للافراد على أهمية دورهم. فالجهاز البيروقراطي الفاسد يسحق حتى العناصر الجيدة والنزيهة والكفؤة، او في احسن الأحوال يشلّها ويحيلها مجرد “براغي” في هذه الجهاز، طبعا مع الاستثناءات، وهذه نجدها الآن عموما خارج مؤسسات الدولة.
وبعد، يتوجب ان لا تكون هذه الإجراءات “فرّة عرس” او تهدف الى توجيه رسائل سياسية معينة، فهي مطلوبة اكثر من مجرد حملات مؤقتة، تنتهي الى ما انتهت اليه حملات او مبادرات سابقة، جاءت بعكس المطلوب وكانت نتيجتها هدر وضياع للمال العام والوقت والجهد.
لكن هذا لن يتحقق بالركض فقط وراء ما خف وزنه وسهل التعامل معه، فيما لا يقترب احد من “الحيتان”.
وقد قيل ان “السلم يبدأ تنظيفه من اعلى نزولا”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاحد 20/ 11/ 2022

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here