الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موقع تاريخ الأديان للكاتب علي الابراهيمي عن مفهوم القيادة الدينية لدى الشهيد محمد محمد صادق الصدر: السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدّس الله سرّه كان منعطفاً في حركة التشيّع عموما، والتشيّع في العراق خصوصا. وقد أنتجت حركته الرسالية نهضة، ذات بُعدين، احدهما ظاهري، حيث الأخذ بيد الأمة عموماً نحو الأهداف الاسلامية، من خلال آليات العمل الإسلامي المعاصر، والآخر بُعْد باطني، استهدف الانتقال بالأفراد والمؤسسات الى مستوى أخلاقي ومعنوي، يكون صالحاً لاستقبال دولة العدل الالهي، والخروج من ظلمات المادية البحتة . ان البُعد الثاني المعنوي كان علاجاً واقعيا، وذكيا، وعميقا، لمشكلة الأمة الاسلامية، من حيث الجذور، لا من حيث الظاهر الخارجي. أن مشكلة الأمة لم تكن معرفية بحتة، ولم تكن سياسية بحتة، ولم تكن اقتصادية بحتة، كما أنها لم تكن نقصاً في التنظير والمشاريع، بل انها مشكلة في الإيمان الحقيقي، وفي الالتزام الأخلاقي، وفي الطاعة للمولى الحق، ومن ثم كان هناك سير باتجاه الإنهيار، لولا رحمة الله بوجود المصلحين المخلصين، والذين كان الشهيد الصدر من قممهم العالية، ومن أوليائهم العارفين والمحققين .
ومن أهم التشخيصات التي وضع الشهيد الصدر اليد عليها كانت مشكلة القيادة الاسلامية. حيث كانت القيادات في الغالب مادية المنحى والأداة، تتجه نحو السكون والركون، لقلة الكفاءة، وقلة الوعي الديني الحقيقي. بل ان الدين اصبح اكثر استسلاماً للواقع الفاسد، بدل ان يصبح الواقع متأثراً بالمنهج الديني الإصلاحي السامي. وكلُّ ذلك ناشئ عن وجود قيادات فاقدة لشروط القيادة الربانية. من هنا وضع الشهيد الصدر قدّس الله نفسه الزكية مجموعة من الشروط، او الخصائص، الواجب توفّرها في القيادات الاسلامية. ويمكننا تعيين بعضها، من خلال الاطلاع على مجموعة من كلماته وخطبه وكتاباته قدّس الله سره.
ولعلّ من أهمها : الاجتهاد ( بلوغ مرتبة الفقيه ): وهو بحسب بعض العلماء بذل الجهد في تحصيل الأحكام الشرعية الإسلامية، من مصادرها، والسعي في إقامة الحُجّة عليها. والأمر فيه كما هو واضح ليس بسيطاً هيّنا، بل يحتاج الى العناء والتحصيل والصبر. كما انه يحتاج الى توفيق من الله جلّ وعلا. ومن لوازم الوصول إلى مرتبة الاجتهاد اي الفقه سعة الاطلاع على المصادر، والإحاطة بعلوم الرجال والأصول الدينية الإسلامية وغيرها ، وفهم التاريخ ، ومعرفة الآراء المختلفة، كما ان الاطلاع على العلوم الحديثة الانسانية بات مهما جداً في تمامية عمل المجتهد . والسيد الشهيد الصدر يرى أن الاجتهاد على عظمة أمره هو الدرجة الاولى في خصائص القائد، وكل مَن دون درجة الاجتهاد فليس له ان يتصدى لقيادة الناس، مهما بلغ من فضل .
المباشرة الميدانية: وهي من أهم خصائص القيادة الصالحة، ومن عوامل النجاح الرئيسة. حيث لابد أن يكون القائد لا سيما الديني بين الناس، عارفاً ومطّلعاً على أحوالهم وشؤونهم ، مدركاً لظاهرهم وباطنهم، ومتلمّساً لواقعهم ومحيطهم. وهم كذلك مطّلعون على إمكاناته وخصائصه، وقدرته الميدانية. والقائد يعيش مع الأمة واقعها، حلوه ومرّه ، ومشخّص لمشاكلها، وملتفت لما تعانيه وما تملكه. ثم ان الناس حين تعيش مع القائد ويعيش معهم سوف يكونون اكثر عزما، وأكثر همة، وأعمق فهما .
والتاريخ يحدّثنا كيف أن أولي العزم من الأنبياء كانوا يسيرون مع مجتمعاتهم ، خطوة بخطوة ، ويعانون معها ما تعانيه ، فيكونون أول المتقدمين في كل نهضة للإصلاح. ولعلّ المباشرة الميدانية كانت أهم ما يميّز علماء وفقهاء الشيعة الإمامية ، منذ صدر الاسلام ، لولا أن استجدت على المرجعية والقيادة الدينية من المظاهر ما جعلها تنقسم بين مرجعية دينية ميدانية شهيدة ، ومرجعية دينية منعزلة. قال الله تعالى “وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ * فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ” (يونس 87-89) .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط