افتتاح بطولة المستديرة… عرس عالمي فريد

الكاتب: فالح حسين الهاجري

لحظة تاريخية عظيمة طال انتظارها لأكثر من اثني عشر عاماً، لحظة افتتاح بطولة المستديرة العالمية في عاصمة السلام “دوحة الجميع”؛ ليست فعالية رياضية عابرة كما توقعها البعض، وإنما حدثاً تاريخياً استثنائياً ومعتبراً في حاضر ومستقبل العرب والمسلمين وعلاقتهم مع الشرق والغرب؛ بأن تستضيف أراضيهم هذا الجمع الغفير من الأجناس والأعراق والثقافات ليغدو المونديال عرساً عالمياً فريداً. وعبَّر عنه ببلاغة موجزة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في ترحيبه بالجميع معتبراً استضافة دولة قطر للحدث العالمي “فضاءً مفتوحاً للتواصل الإنساني والحضاري”، وقال سموه: “لتكن أياماً ملهمة بالخير والأمل”.
مزيجاً فريداً من تراث وحضارة الشرق بنكهة قطرية – خليجية وعربية خالصة، وبين حداثة الغرب بإيقاعه السريع، فامتازت فقرات الافتتاح الذي سبق المباراة بين العنابي المستضيف والإكوادور الضيف الأول في ملاعب المونديال، إبهاراً بصرياً لم تشهده افتتاحيات بطولة كأس العالم من قبل، عبر أحداث تكنولوجيات الإضاءة والصوت والخدع البصرية في انسجام دقيق مع حركة التصوير وتواجد الجمهور في المدرجات وفي ميدان الملعب الافتتاحي.
عرضاً عالمياً عصرياً، قدَّم رسالة ملهمة من العرب للعالم عربوناً لمد الجسور بين جميع الاختلافات في العرق والثقافة واللون، لملء كل المسافات بالقبول والاحترام والتعايش، وبهذه الفرصة تصبح الإنسانية قبيلة واحدة، والأرض هي الخيمة التي نعيش فيها جميعاً حسب دعوة النجم الأمريكي مورغان فريمان في بداية الافتتاح بحوار لافت مع سفير النوايا الحسنة الشاب القطري غانم المفتاح، وكان حواراً ثقافياً تضمن الآية القرآنية من سورة الحجرات عن خلق الله والدعوة للتعارف والمحبة بين الشعوب والرحمة الربانية بالعباد لاتباع سبيل الرشاد مقابل دعوة فريمان.
ثلاثون دقيقة من الافتتاح المبهرة للعالم، شملت كل الثقافات والتراث الإنساني من مشرق الأرض إلى مغربها، فكانت مراسم حفل الافتتاح مزدانة بمجموعة من اللوحات الفنية الرائعة، حيث اختارت قطر “القرش الهوني: النهم” ليكون بطلاً لحفل الافتتاح بوصف قطر من أكبر تجمعات أسماء القرش ذات البقع البيضاء في العالم كرسالة تفاؤل، واللوحة الثانية شعار المفتاح “تعارفوا” على جسر مضيء مع الفنان مورغان، واللوحة الثالثة بأغنية هلا والتي بدأت بالعرضة القطرية الشهيرة، وجمعت أشهر هتافات المنتخبات الــ 32 المشاركة في البطولة، وتوالت اللوحات الفنية عبر فيديو تاريخي يظهر الأمير الوالد حمد بن خليفة ومجموعة من أصدقائه رجالات الدولة الكبار وهم يلعبون كرة القدم، وفي نهاية الفيديو يسلم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد أمير البلاد المفدى نسخة من القميص التاريخي الذي شوهد في الفيديو إلى صاحب السمو الأمير الوالد ليوقعه كرمز للإرث. وكانت اللوحة السابعة والأخيرة بعنوان “هنا والآن” ليظهر الشعار الرسمي للمونديال العالمي وقص شريط الافتتاح رسمياً بحضور زعماء وقادة وملوك وسياسيون ونخب عالمية وشخصيات إعلامية وفكرية عالمية بارزة.

دعوة لتغيير الصورة النمطية في علاقة الغرب مع غيره في نداء المعلق الرياضي الكبير عصام الشوالي: “احنا العرب مهد الديانات ورسالات السماء… نحن من علمكم.. احترم لتحترم” هي رسالة دولة قطر الحضارية، ورسائل سياسية تجسد في لقاءات على هامش الافتتاحية بين قادة مختلفين كلقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعوة حضرة أمير البلاد المفدى لتمثل انفراجه في طريق السلام في منطقة تعج بالصراعات والحروب وبداية نهج جديد أساسه التعاون والحب والتآخي.
احتضان استاد البيت للحفل الافتتاحي بوجود السيف والناقة والأنغام الخليجية، وخروج الحوت من البحر بصورة فنتازية محلقاً فوق الأرض وصحراء عربية وبإيقاع الهاون الذي يرمز للأصالة والكرم العربي ويطوف أركان الأرض الخمسة منادياً الجميع لدخول الخيمة مع لوحة غنائية باهرة بعنوان “ليتني خيمة” مستوحاة من الأغنية الفولكلورية الخليجية “توب توب يا بحر” تُبرز صعوبة الارتحال وجمال الالتقاء ومعاناة المنتظرين لأحبابهم الذين سافروا وابتعدوا، وتتشكل الكرة الأرضية تحت أقدام المرتحلين في إشارة إلى تنوع أعراقهم وانتماءاتهم، وهم يرتدون أزياءً تبرز اختلاف هوياتهم، وكيف يلتقي البشر، كلها دلالات على مونديال بل عرس ثقافي وتراثي عالمي فريد من نوعه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here