الملك السومري شولگي أورـ نمّو

عضيد جواد الخميسي

الملك السومري شولگي أورـ نمّو Shulgi Ur-Nammu (حكم ما بين عامي 2029-1982 قبل الميلاد) ، الذي يعتبر من أعظم ملوك فترة أور الثالثة في بلاد الرافدين (2047-1750 قبل الميلاد). كان والده أورـ نمّو(حكم من عام 2047 إلى 2030 قبل الميلاد) مؤسس سلالة أور الثالثة الذي ساعد في هزيمة قوات الگوتيين الغازية . كانت والدته ابنة الملك “أوتو ـ هيگال” من أوروك (اسمها غير معروف) الذي قاد الانتفاضة الأولى ضد الگوتيين . وقد ورث شولگي مملكة مستقرة بعد مقتل والده في معركة مع الگوتيين ، وشرع في الإعمار لتخليد اسم والده ، ونقل بلاد سومر إلى آفاق ثقافية عظيمة.

كرجل متعلم ؛أصلح المدارس وزاد من محو الأمية في جميع أنحاء المنطقة. وقد خصص أموالاً طائلة لمواصلة إعمار المدن وضواحيها ، وبناء طرق جديدة وصيانة القديمة منها ، وإنشاء محطات استراحة للمسافرين ( موتيلات) على جوانب الطرق مزودة بالطعام والشراب (وهو ابتكار تبناه الفرس لاحقاً ) . وقد أعلن نفسه إلهاً في حياته ، وعبده الناس بعد وفاته .

فترة حكم شولگي كانت موثّقة في معظمها ؛ حيث كان لديه العديد من الكتّاب الذين يدونون مجمل إنجازاته على ألواح طينية عُثر عليها خلال عمليات التنقيب ، ولكن تم الطعن في البعض منها اعتقاداً في أنها لم تتوخى الدقة . إلاّ أنه من الواضح أن فترة حكم شولگي كانت إلى حد ما مستقرّة ، ومعظم الوثائق المتعلقة بتفاصيل حكمه كانت تلك التي أمر بتدوينها. وقد اتهمه المؤرخون القدماء بالكذب والتزوير في السجلاّت ، ولكن على ما يبدو من الأدلة الأثرية أن فترة حكمه كانت ناجحة .

أوائل عهد الملك شولگي

لقد أدى حكم أورـ نمّو إلى استقرار المنطقة وقدرته في تطويرها بعد طرد الگوتيين ، وبفضل قصيدة “موت أورـ نمّو” ونزوله إلى العالم السفلي ؛أصبح بطلاً شبه أسطوري بعد وقت قصير من وفاته.

ربما كان من المتوقع أن يكون خليفته قد حاول الكثير لتمييز حكمه عن حكم سلفه ، بيد أن هذا الأمر لا ينطبق على الملك شولگي . فمن أجل ضمان استقرار مملكته ؛ أسس جيشاً نظامياً بتشكيلات من وحدات متخصصة لأغراض عسكرية محددة . إذ لم يعد جندي المشاة مجرّد “جندي مشاة” ؛بل كان يمتلك أساليب قتالية جديدة تمكنه من السيطرة وتحقيق الهدف في المعركة . وبتلك القدرات العسكرية ؛ قاد شولگي جيشه ضد فلول الگوتيين في أراضي المنطقة بغية الانتقام لمقتل والده وتأمين الحدود .

لتمويل جيشه ؛ بدأ الملك شولگي بسياسة غير مسبوقة في فرض الضرائب على المعابد ومجمّعات المعابد ، والتي على الرغم من أن تلك الخطوة قد لا تجعله يحظى برضا الكهنة ، ولكنها عززت شعبيته بين عامة الناس الذين لم يضطرّوا إلى دفع ضرائب عالية .

يرى البروفيسور “ستيفن بيرتمان” أن “طموحات أورـ نمّو التوسعية قد حققها ابنه شولگي في توسيع مملكة أور؛ ابتداءً من جنوب بلاد الرافدين بالقرب من أريدو وانتهاءً بوادي دجلة ثم نينوى في الشمال” (ص57).

تمت المحافظة على المملكة بكفاءة عالية من خلال الإدارة المركزية الموحدة التي أنشأها الملك أورـ نمّو ، ومن ثمّ قام شولگي بتحسينها وحمايتها وتوسيعها من قبل جيشه النظامي الذي لم يكن بحاجة إلى تعبئة للقتال ؛وذلك من خلال قدرته العالية في الاستجابة بسرعة لأي اختراق قد يحصل على الحدود. ومع استتباب الأمن في مملكته ؛ كان شولگي قد كرّس نفسه في تشجيع الفن والثقافة والعلوم كما فعل والده .

من جملة انجازاته ؛ أقرّ شولگي تقويماً وطنياً شاملاً ، ونظاماً موحداً للوقت كان يسري على جميع أنحاء مملكته ، ليحل محل الطريقة القديمة في حساب التواريخ والأوقات في المناطق المختلفة كل على طريقتها الخاصة. كما عمد إلى توحيد مقادير الأوزان والمقاييس لضمان التجارة العادلة في السوق . وقبل تلك الإصلاحات ؛ كانت الأسعار متباينة في كثير من الأحيان بين مختلف السلع التجارية في أور والسلع التي عينها في نيبور. وقد كُتبت جميع تلك الوثائق باللغة السومرية (بدلاً من لغة الدولة التقليدية “الأكدية”) ربما في محاولة للتمييز بين عهد شولگي وعهد الذين سبقوه .

يبدو أن الملك شولگي توجه لشعبه وعن قصد على أنه الملك “نارام ـ سين” الجديد (حكم عام 2261-2224 قبل الميلاد) ، وهو آخر ملك عظيم للإمبراطورية الأكدية . لقد فهم والده الملك أورـ نمّو أيضاً معنى ربط عهده بفترة الملوك الأكديين الأسطوريين ، لكن ابنه الملك شولگي ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن عن نفسه إلهاً مثلما فعل الملك نارام ـ سين أيضاً ، وأخذ يدوّن اسمه على الوثائق والسجلات بالألقاب الإلهية. وعندما تعددت إنجازاته ؛ كان يشعر أنه مجرّد منفذ للسياسات ومشاريع البناء التي خطط لها والده .

كتب البروفيسور “بول كريفاشك” التعليق التالي حول هذه النقطة :

” استمرت أعمال البناء في الزقورات التي خطط لها والده أورـ نمّو بشكل جيد في عهد ابنه ، مما جعل الملك شولگي يقع في مشكلة إثبات شخصيته الاستثنائية أمام شعبه. لذا فقد اختار رياضة الجري .”( ص156)

في يوم واحد انطلق الملك شولگي جرياً من نيبور إلى أور مسافة (160 كيلومتر) ، وكان من أجل حضوره الاحتفالات الدينية في كلتا المدينتين ، ثم عاد يجري من أور إلى نيبور ؛ ليكمل مسافة (320 كيلومتر) في نفس اليوم ، وكانت دوافعه في الجري واضحة من خلال أحد نقوشه :

كي يبقى اسمي لفترة طويلة ولا يغرق في بحر النسيان ،ولا يسقط من أفواه الرجال

أن يمتد تمجيدي في جميع أنحاء الأرض

أن تمدحني كل البلاد

أنا العدّاء ، برزت في قوتي ، كل شيء جاهز للمضمار

من نيبور إلى أور

لقد عقدت العزم على ركوب الطريق كما لو كانت مسافة ساعتين في ساعة

مثل الأسد الذي لا يتعب من شدة قوّته

وضعت حزاماً حول وزرتي

تمايلت ذراعيَّ مثل حمامة تهرب من ثعبان

أطلقتُ رُكبتيَّ في وسعها مثل طائر ” الأنزو” وعيناه شاخصتان نحو الجبل

(كريمر ص286)

حقق السباق هدفه بالتأكيد عندما ارتبط شولگي بالحدث وقدرته الكبيرة على التحمل . كما تم الإشادة بشجاعته وتصميمه لأن ممارسته تلك حدثت في خضم عاصفة هوجاء . ويستمر النصّ في اللوح المنقوش :

” في ذلك اليوم هبت العاصفة …. ودامت زوبعة عنيفة مع هدير الرعد…. الرياح الشمالية والرياح الجنوبية …. التهمتا البرق في السماء ومعهما الرياح السبع ….العاصفة التي تصمّ الأذان جعلت الأرض ترتجف . ” (كريمر ص287)

في الحقيقة ؛ أصبح الملك شولگي ذائع الصيت بوقت قصير كعدّاء ماهر، وشخصية مشهورة ظهرت في القصائد الشعرية الاباحية في جميع أنحاء بلاد الرافدين ؛ وذلك بسبب قوته وقدرته على التحمل بصفته عاشقاً للإلهة إنانا .

فيما يتعلق بالسباق الشهير ، كتب البروفيسور كريفاشك المقطع التالي :

“هل كان بإمكان الملك شولگي فعل ذلك حقاً ؟ اعتقد جيل سابق من علماء الآشوريات أن ذلك الحدث هو من المستحيلات ، ورفضوا الفكرة باعتبارها ضرباً من الخيال . ولكن هناك دراسة حديثة تشير إلى خلاف ذلك. فقد نُشر مقال في مجلة (تاريخ الرياضة) ؛ نقتبس حدثين موثَقيْن لهما صلة بالموضوع ، الأول : (خلال الثماني والأربعين ساعة الأولى من عام 1985م ؛ أكمل العدّاء اليوناني يانيس كوروس مسافة 287 ميلاً / 462 كيلومتراً من مدينة سيدني إلى ملبورن الاستراليتين ، وتم تحقيق هذه المسافة الطويلة دون توقف للنوم أو الراحة الطويلة ) .الثاني: (في سبعينيات القرن الماضي ، أكمل رياضي بريطاني كان قد ركض في مضمار سباق مسافة 100 ميل / 161 كيلومتر في زمن 11 ساعة وواحد وثلاثين دقيقة). لذلك لا يوجد سبب للاعتقاد في أن السومريين كانوا أقل قدرة من الناحية الرياضية. إذ كان عالم السومريين وبغضّ النظر عن كل شيء ؛عالماً ماديّاً أكثر بكثير من عالمنا الآن ، فقد كانت السرعة والقوة والقدرة على التحمل أكثر أهمية بالنسبة لهم مما هي عليه بالنسبة لنا .” (ص 157)

ذاعت شهرة الملك شولگي في جميع أنحاء الأرض كما كان يتمنى ، وتميز عهده بشكل كبير عن عهد والده . وعندما قدم الملك أورـ نمّو نفسه لشعبه على أنه شخصية الأب المرشد ؛ ادعى ابنه الملك شولگي هو الإله. ومنذ ان قطع المسافة الطويلة عدواً ما بين أور ونيبور وهو في السنة السابعة من حكمه ؛كان قادراً على القيام بما يشاء .

كان من المعروف في بلاد الرافدين تسمية السنوات استناداً الى الإنجازات العظيمة التي يقوم بها الملك في السنة ، وعادة ما تكون انتصارات عسكرية أو تشييد مدن جديدة . والعام الذي اشتهر به الملك شولگي عُرف فيما بعد باسم ” عام رحلة اليوم الواحد ” الذي قام فيه الملك بالجري ذهاباً وإياباً بين مدينتي أور ونيبور في يوم واحد . تم تدوين قصة مسيرته تلك بعد وقت قصير من وقوع الحدث ، حيث أُرسل الكتبة إلى جميع أنحاء المملكة لإعلان ذلك في المعابد وتقديمه للشعب كملك أعظم مما كان عليه والده .

الخلاف عن الفترة اللاحقة

فيما بعد حققت حملته الدعائية نجاحاً كبيراً في أنحاء المدن والمعابد . وقد وصِفَ الملك شولگي في مدوّنات بلاد الرافدين بـ “المقدّس ” و” العداء السريع” ، وهو الذي قدّم المؤن بسخاء إلى المدن وتحديداً مدينة إريدو المقدّسة. وأُشير إليه أيضاً على أنه شقيق إله الشمس “شمش” وزوج الإلهة “إنانا” بحسب التراتيل والأناشيد المنقوشة . وعندما قرر توسيع مملكته شمالاً ، تبعه الجيش في حملته دون تردد ، واستيلائه على منطقة “أنشان” (غرب إيران حالياً) .

سياساته المستمرة في فرض الضرائب على المعابد ومجمعات المعابد ،وتوحيد الأوزان والمقاييس، وحساب الوقت في الساعة واليوم في جميع أنحاء مملكته ؛ قد سلبت المدن المختلفة هويّاتها الإقليمية ، و بدرجة أقل استقلالها الاقتصادي (يبدو أن القدرة المالية كانت كبيرة ،لأن العديد من المدن استمرت في الانتعاش الاقتصادي بعد سقوط أور) ، ومع ذلك لا يوجد دليل على حدوث صراع داخلي أو إشارة إلى عصيان وثورة في السجلات المدّونة خلال فترة حكمه.

تم التشكيك بهذه الصورة المسالمة و المستقرة لإدارة الملك شولگي البلاد ؛ بسبب أن التاريخ يأتي أولاً ؛ كما لوحظ ذلك فعلاً من خلال الوثائق الصادرة عن الدولة . والأهم من ذلك ؛ فقد ادعى الكتّاب اللاحقون ؛ ان الملك شولگي قد تعمد تزوير تلك الوثائق لتقديم نفسه على أنه الأعظم من بين ملوك بلاد الرافدين .كما تقدّم نفس هذه السجلات التاريخية والتي تُظهر الملك على أنه مقدّس أيضاً مثل الآلهة، كما في العبارة التالية لأحد نصوص الألواح الطينية :

“أن شولگي ابن أورـ نمّو ؛ قدّم طعاماً وفيراً لإريدو التي تقع على شاطئ البحر. ولكن كان لديه ميول إجرامية في سرقة ممتلكات إساگيلا وبابل ونهبها كغنيمة […] تسبب ذلك في نخر جسده وقتله ” (CM, Tablet A, 20:28-30). وفي مقطع آخرمن لوح ثانٍ :

” في عهد شولگي صُنع له تمثال غير مقبول ، وأشار له بكتابات وقحة تتعلق بطقوس تطهير الآلهة ، وتركها للأجيال القادمة” (CM 27).

كتب البروفيسور كريفاشك معلقاً حول هذين النصّين :

” كان كلا النقشان يشكلان إهانة خطيرة للغاية بسبب حساسية بلاد الرافدين ، ونذير شؤم للمنطقة بكاملها ؛الأمر الذي جعل التدوين الدقيق للماضي مسألة ذات أهمية كبيرة. والادعاء بأن شولگي قد استولى على ممتلكات إساگيلا (المعبد) في بابل ؛ هو تصريح جاد بما فيه الكفاية . وكما هو معروف ؛ أن ممتلكات أيّ معبد لا تخص مدينة بعينها بل لإله تلك المدينة . ولكن حسب الاعتقاد في أن تلك العبارات الكاذبة المدوّنة وتقديمها على أنها تاريخ حقيقي ؛ لا يمكن تحمّله أبداً “(ص 159) .

سجلات بلاد الرافدين (المعروفة أيضاً باسم المدوّنات البابلية) ؛ هي تاريخ لأنشطة ملوك بلاد الرافدين قام الكتّاب بجمعها في مرحلة ما من الألفية الأولى قبل الميلاد من خلال مصادر أقدم . بينما يعتقد علماء الآثار ومنذ فترة طويلة ؛ في أنها كانت تُكتب أصلاً في بابل، ولأنهم كانوا يحصلون عليها من مواقع مختلفة ومن كتّاب عديدين وتحت إشراف الإمبراطورية الآشورية ، وربما من قِبَل الملك آشور بانيبال نفسه (عام 668-627 قبل الميلاد) في نينوى .

من الممكن تماماً ؛ بل ومن المحتمل جداً ؛ أن هؤلاء الكتبة اللاحقون كانوا يدونون الأحداث من وجهة نظر معينة ، ورغبة منهم في تطوير مهاراتهم الأدبية الخاصة ؛ لذا قاموا بإضافة أو حذف بعض التفاصيل من الماضي في التأليف والنسخ . ولكن من غير المحتمل أن يكون لديهم قصص وأحداث ملفقّة بالكامل وتمريرها كتاريخ صحيح . إلا أنه وعلى الأرجح ؛ كانوا يعتمدون في إتبّاع أدب نارو لبلاد الرافدين الذي عادة ما يتميز في حضور شخصية مشهورة (ملك) من التاريخ، ومنحها دوراً رئيسياً في حكاية مواعظية تبيّن علاقة البشر مع الآلهة ، وفرض محبة الملك وطاعته.

توجيه الاتهام إلى الملك شولگي في نهب معبد إساگيلا البابلي ؛ بسبب أن بابل قد ثارت عليه في عهده ؛ وهو حدث لم يُسجّل في وثائق فترة حكمه . وإذا حصل ذلك فعلاً ؛ فمن المحتمل أن مناطق أخرى من مملكته كانت لا تتقيد بأوامر ملكها شولگي وإدارته ، ولم يكن له منزلة كبيرة عندها .

كانت بابل مدينة مشهورة بالثورات والانتفاضات طيلة تاريخ بلاد الرافدين على الملوك والحكّام الغزاة والمحتلّين بسبب الفساد والإهمال . وإذا كانت أي مدينة تحت حكم الملك شولگي قد أعلنت انتفاضتها ، لكانت بابل هي الأولى قبل غيرها . وعلى الرغم من أن نهب أي معبد كان يعتبر جريمة خطيرة ، ولكن على مايبدو أن نهب معبد إساگيلا البابلي كان الأسوأ . الملوك اللاحقون من الآشوريين “توكولتي نينورتا الأول” و”سنحاريب”؛ قد تمّ اغتيالهما بسبب تدنيسهما واهانتهما لمعابد بابل ، وربما أن الملك شولگي قد لقي حتفه لذات السبب .

سور المملكة

قرب نهاية عهده ، كانت بلاد سومر تنزعج بشكل متزايد من الغارات الهجومية التي تشنها القبائل البدوية المعروفة باسم “الأموريين”. وعلى أثر ذلك ؛ شيّد الملك شولگي سوراً بطول (250 كيلومتر) على طول الحدود الشرقية لمملكته لإبعاد الأموريين من البلاد . ولأن السور لم يتم تحصينه في أي من طرفيه ؛ مما جعل تلك المجموعات البدوية الهمجية أن تلتف من حوله وتخترق المملكة. كما أن العيلاميين كانوا أيضاً على مقربة من الحدود ، ولكن في عهد شولگي ، قد تم إبعادهم من قبل أفواج الجيش من مدينة أور، والذي بدوره قام بتحصين السور .

بعد أن دام حكمه مدة 46 عاماً ؛ توفي الملك شولگي ،وخلفه العرش ابنه “إمارـ سين” (عام 1981 ـ 1973 قبل الميلاد) الذي هزم العيلاميين وحصّن السور. ومن بعده أخوه الأصغر “شوـ سين” (عام 1972 ـ 1964 قبل الميلاد) ؛ الذي كرّس المزيد من الجهود في تمتين السور وحمايته . ثمّ أخذ بقمع حركات التمردّ والعصيان تقودها المجموعات الأمورية التي تمكنت بطريقة وأخرى من توطين نفسها في أراضي المملكة ، وقد حاول محاكاة عهد والده و الحفاظ على ملوكية السلالة. بعد ذلك خلفه ابنه “إيبي ـ سين (عام 1963-1940 قبل الميلاد) ؛ الذي فقد بشكل مطرد أراضي المملكة التي كان قد سيطر عليها كل من والده ، وأجداده .

كتب البروفيسور كريفاشيك التعليق التالي حول السور:

“على الرغم من كل الجهود المبذولة لتحصينه وتقويته ؛ لم يكن السور كافياً لإبعاد الغزاة و البدو الرعاع . فقد واصلوا هجماتهم دون أن يهتموا لخسائرهم ، إضافة إلى مشاكل الإمبراطورية الفاشلة. ” (ص161)

كان إيبي ـ سين آخر ملوك أسرة أور الثالثة ، وفي نهاية عهده تقلّصت المملكة الشاسعة ، واقتصرت على مدينة أور فقط ، والتي سقطت فيما بعد في أيدي العيلاميين .

موت الملك شولگي

كانت وفاة الملك شولگي موضوعاً مثيراً للجدل مثل تلك السجلات التي تصف فترة حكمه. إذ يواصل العلماء والباحثون تكرار عبارات مثل؛ “ربما مات شولگي بضربة عنيفة من القاتل ، إلى جانب زوجته شولگي شيمتي ، و محظيته جمي نينليلا ” (بيرتمان ص105). أو “ربما مات شولگي ميتة غير طبيعية في تمرّد للقصر ” ( ليك ص160) . ولكن من غير المؤكد فيما إذا كان هذا الادعاء صحيحاً.

إن المشتبه بهم الأساسيين في موت شولگي هم أبناؤه؛ الذين ألمح إليهم علماء العصر الحديث ، لكي يتمكنوا من تولي الحكم من بعده . لذا فقد كانوا بحاجة إلى الدعم من إدارة القصر وعائلاتهم ، أو من خلال استياء الشعب وهي فرصة في الحصول على الدعم الشعبي للإنقلاب .

كتب البروفيسور “بيتر ميكالوسكي” ؛ أن شولگي شيمتي ربما كانت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها الملك شولگي ؛ ” هناك نص مؤرخ بعد شهر من وفاة الملك يذكر استلام قطيع ماشية من محظيته [جمي نينليلا] ، لكن النصّ لا يخبرنا فيما إذا كانت زوجته حيّة أم متوفاة “(ص 290).

كما لا يوجد لدى علماء الآثار دليلاً على أن الشعب قد ثار على ملكه شولگي ، أو أن هناك مؤامرة انقلابية قد دُبرّت ضدّه . إلاّ أن من المعروف أيضاً عن الملوك الذين حكموا خلال الفترة الآشورية من تاريخ بلاد الرافدين ؛ قد قُتلوا على يدي أبنائهم بسبب الجريمة ذاتها في انتهاك حرمة معابد الآلهة . وربما قد فسّر الكتاب الآشوريون والبابليون قصة الملك شولگي في ضوء ما عرفوه عن تاريخهم .

من المحتمل أيضاً أن يكون الجزء المفقود في ذلك المقطع ؛ قد ذكر شيئاً من شأنه أن يقلب الحقائق عن موت شولگي . وربما كان شولگي قد اغتيل بسبب إهانته للآلهة ، أو مات ميتة طبيعية. وحتى التأكيد المتكرر على اغتيال الملك وزوجته لا يمكن إثباته . كما الادعاء بأنه قُتل على يد أبنائه لا يوجد دليل عن ذلك .

تم الطعن في سجلات الدولة التي وثّقت حكم الملك شولگي ؛إلاّ أن الأدلة الأثرية عن تلك الفترة تؤكد حقيقة نجاحه في ادارة مملكته . وأن الإنجازات التي ادّعى بها لنفسه قد حصلت فعلاً ، حتى لو لم تكن كما هو الموصوف بالضبط . ففي عهده تحسنت الطرق ، وتوسعت المملكة ، وكان الاقتصاد قوياً ، وانتشرت دور الاستراحة للمسافرين على جوانب الطرق الرئيسية الرابطة بين المدن المختلفة ، وتوحّد التقويم والوقت ، وكذلك الأوزان والمقاييس ، وازدهرت معرفة القراءة والكتابة وتطورت الفنون .

لا زال النقاش والجدال مستمرّاً بين العلماء حول شخصية الملك شولگي ؛ فيما إذا كان قد تعمّد بتحريف أو إخفاء حقائق تخصّ جوانب من حياته وطريقة حكمه. ولكن ليس هناك أدنى شك في أنه كان رجلاً يتمتع بمواهب إدارية وعسكرية هائلة ، وخيال ، وتصميم ، وشخصية كاريزمية.

وقد يتساءل المرء أيضاً عمّا إذا كان يستحق اللقب الذي لا يزال يحمله باعتباره أعظم ملوك سلالة أور الثالثة . الاجابة هي ؛ عندما نضع جميع إنجازاته أمام اخفاقاته ؛ فإن الأولى تتفوق على الثانية ، وبالتأكيد لم يكن أيّ من الملوك الذين جاؤوا من بعده يمتلكون نفس خصال الملك شولگي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ستيفن بيرتمان ـ الحياة في بلاد الرافدين القديمة ـ جامعة اكسفورد ـ 2005 .

جان بوتيرو ـ كل يوم في بلاد الرافدين ـ جامعة جون هوبكنز ـ 2001 .

صاموئيل نوح كريمر ـ التاريخ بدأ من سومر ـ جامعة بنسلفانيا ـ 1981 .

بول كريفاشيك ـ بلاد الرافدين وميلاد الحضارة ـ ثوماس دوني للنشر ـ 2010 .

گويندولين ليك ـ أبجدية بلاد الرافدين القديمة ـ سكيركرو للنشر ـ 2010 .

بيتر ميكالوسكي ـ أفكار حول نهاية عهد شولگي ـ مقالة نشرت في مجلة ( أكاديميا ) ـ 1 ديسمبر 2016 .

سوزان وايز باور ـ تاريخ العالم القديم ـ نورتن للنشر ـ 2007 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here