النجاسات الثلاث

حمزة الحسن

اللغة العربية أكثر لغات العالم تواطئاً
وشراكة مع نظم الحكم،
وهي لغة سلطوية ذكورية بامتياز،
بل هي أكثر قوة من السلطة السياسية وحاملة مضامينها وتراثها في الخضوع
لذلك كان الشعراء العرب الكبار في صراع مع النظام السياسي
لان اللغة الادبية لغة فردية خارج القاموس السلطوي.
كل لغات العالم الحية خضعت للتجديد عدا اللغة العربية:
هناك الفرنسية والانكليزية والاسكندنافية والالمانية الجديدة وغيرها،
إلا اللغة العربية.
هذا التحنيط اللغوي
ليس بريئاً بل هو جوهر بقاء السلطة،
لان اللغة ليست ديكورا بل وعاء احكام وحاملة قواعد وقوانين،
وأي خطاب سياسي أو وعظي عبر العصور يبدأ بالحِكّم والكلايش والمواعظ القديمة،
لضرب الذاكرة في الصميم وزرع الخضوع.
ظاهرة قطع اللسان تقليد عربي قديم لماذا؟
لأنه خرج في لحظة ما عن اللغة المقررة والقاموس،
لأن اللسان أرشيف السلطة ولا يجوز الخروج عن النظام
والتكلم او الكتابة بلغة ذاتية فردية،
لذلك يجب أن يُقطع وأول شاعر قُطع لسانه هو النجاشي الحارثي في عام أربعين للهجرة،
لأنه تحدث في قصيدة عن إزدواجية أهل الكوفة:
( السارقينَ إذا ما جنَّ ليلهمُ ـــ والطالبينَ إذا ما أصبحوا السورا،
التاركينَ على طهرِ نساءَهمُ ــــ والناكحينَ بشطي دجلة البقرا)،
قبل كشوفات علي الوردي عن الازدواجية بـــ 14 قرن.
حتى الذين يعارضون السلطة لا يعرفون انهم جزء منها،
لأنهم يعتقدون أن السلطة هي الحكومة فحسب،
لكن السلطة في السلط المجهرية وشخص واحد متسلط في أسرة
يخلق من العقد والأمراض النفسية ما تعجز عنه سلطة وحشية لأنه في تماس مباشر مع
الضحايا الذين يقبلون هذا الاذلال بلغة الترويض كطاعة.
إن توجيه النصائح للنظام لتغيير سلوكه كالطلب من تمساح حضور حفل موسيقي،
لان هذا النظام متغلغل في صميم السلطة الاجتماعية وفي أصغر التفاصيل،
وهؤلاء يخاطبون الجهة الخطأ.
ثلاث سلط تعاونت عبر التاريخ على تحنيط اللغة كقواعد ومبادئ وحكِم ولجم التاريخ:
سلطة السياسة
وسلطة رجال الدين
وسلطة المال.
ومنذ أربعة عشر قرناً،
وهذه السلط تتناوب في الحكم مع تغير الاشكال.
في رسائلنا المتبادلة مع المرحوم المفكر النبيل هادي العلوي،
أطلق على هذه السلط بــــ:
” النجاسات الثلاث”
مع الاعتذار لمن هم خارج الدائرة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here