د. سعد الكبيسي
كثيرا ما يحصل التداول بين بعض الدعاة لآراء وتصورات مفادها بأن الناس قد عزفوا عن التدين، ويستدلون على ذلك بضعف تأثير التعليم والمواعظ فيهم ، وبضعف الاستجابة الحاصلة منهم لها، وبكثرة الفساد والغثاء الذي يعيش فيه الناس خصوصا مع تأثير الإعلام في الفضائيات ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبغلبة الحياة المادية التي طغت على الحياة الروحية.
ومع ذلك كله ردود الأفعال تجاه التدين المشوه ، وتجاه من مثلوه في كثير من البلدان والمجتمعات؟
ومع أن كثيرا مما ذكر صحيح في الواقع، إلا أن إطلاق الحكم بأن الناس قد عزفوا عن التدين غير صحيح، وسبب ذلك أن كل هذه الآراء والتصورات عن العزوف هي في حقيقتها آراء وتصورات انطباعية مستعجلة وليست علمية إحصائية، وغالبا ما تنطلق من مواقف وتجارب ليست معيارا للحكم على غيرها.
إن التدين حاجة فطرية يحتاجها الإنسان في كل وقت وحين، أما المادية فقد تحجب وتغطي هذه الفطرة مدة من الزمن، ولكن ليس بمقدورها الاستمرار مع حالة التذكير ، ونداء الفطرة الذي لا بد من أن يتغلب.
ومن هنا نقرر بأن الداعية الذي يستشعر ويتصور وجود هذا العزوف لديه مشكلة إما في:
قصور المضمون والأفكار، فهي لا تلبي الحاجة الملحة للمخاطبين.
أو في سوء الخطاب والأسلوب، بأن يكون على سبيل المثال خطابا وأسلوبا قاسيا أو مثاليا أو قديما.
أو في عدم معرفة مفاتيح الجمهور الذي أمامه وهل يدخل إليهم عن طريق العقل أو العاطفة.
أو في عدم مواءمة المضمون والخطاب مع الشريحة والجمهور المستهدف ، وهل هو جمهور إعدادي أو جامعي، من الذكور أو الإناث، في منطقة شعبية أو منطقة راقية، في منطقة ريفية أو حضرية.
أو في كونه يتحدث بدون روح ، ولا حماسة ، ولا قناعة.
وأختم بالقول ،بأن “من عرف مفاتيح العقول ،والقلوب واستعملها ،فُتحت له الأبواب، لكن الكثيرين يأبون إلا فتح هذه الأبواب بمفاتيح لا تناسبها ، ومن ثم يشكون بأن الأبواب موصدة ولم تفتح لهم !!!
والتوفيق بعد ذلك من الله.