سامراء المدينة والحياة!!

سامراء ذروة الإنطلاق الفكري والثقافي , والمجد العمراني والإبداعي الذي بلغته الدولة العباسية.

وزمن سامراء العاصمة من أكثر فترات الإشراق والسطوع الحضاري , فالحياة كانت تصنع معالم مسيرتها فيها , ومنها تصدر الأوامر , وفيها تتخذ القرارات , فهي تتحكم بعدد من القارات وتحدد إتجاهات الحركة والتفكير فيها , ووفقا لقوتها وقدرتها تأكدت عمارتها المتفقة مع دورها الفعّال المؤثر في الأرض.

وكانت إرادة الخليفة المعتصم , القائد العسكري القوي الثاقب البصر والتقدير والفعل , تطمح لبناء مدينة تختصر قوة الدولة , وتبدي قدرتها وكبرياءها , وعلو شأنها وعظمة فعلها.

فكانت سامراء الرمز والصوت والمنبر الناطق بقوة الدولة وفكرها وثقافتها.

وبرغم ما قيل وذكر عن تسمية المدينة ومنذ الآشوريين وما قبلهم , فالمعتصم هو الذي سماها ” سر من رأى” كتعبير عن ” تسر الناظرين” , ويبدو أن اللغويين جعلوها ” سر من رأى” أي مدينة تسر الناظر إليها.
وأبدع المعماريون وابتكروا واستحضروا المهارات اللازمة لبناء مدينة تسر الناظرين إليها , ولذلك برزت فنون العمارة كثورة ومدرسة تم الإقتداء بها في بناء الحواضر الرائعة العمران.

وبسبب السحر والجمال والبهاء , لم يغادرها الواثق , فعمرانها الجميل وهيبتها أجبراه على أن يتواصل فيها , ويساهم بتنمية جمالها وقوة عمارتها وعدد قصورها ومرافقها الأخرى , فتحولت إلى مدينة كاملة فاعلة ومتفاعلة ومجسدة لأدق أفكار الجمال والزهو والنماء , ومضت منطلقة في دروبها الفيحاء حتى بلغت آية جمالها غايتها عندما تولى المتوكل الخلافة , وكان مغرما بالعمارة والبناء , خصص ميزانية كبيرة للعمارة في سامراء , فبنى الجامع الكبير ومدينة المتوكلية وقصورا تجاوزت العشرين قصرا , تضاهي قصور قرطبة وغرناطة وأشبيلية في الأندلس.

والجامع الملوية كان نسخة منافسة للجامع الكبير في قرطبة الذي بدأ ببنائه عبد الرحمن الداخل.

أما قصور سامراء فأوصافها ومعالمها , وخصوصا القصر الجعفري والجوسق , فجمالهما وحسن عمارتهما ربما أروع من قصر الحمراء في غرناطة.

ومن الملاحظ أن أبناءها لا يكتبون عن مدينتهم , ولا يساهمون بإبراز دورها الحضاري والثقافي , وأهميتها المعاصرة لكونها أكبر مدينة أثرية تاريخية في العالم , وتعاني إهمالا متعمدا لسبب الجهل والأمية التأريحية للحكومات المتعاقبة , فلم توليها الإهتمام المناسب.
وفي هذا الوقت يبدو أن من الواجب والمسؤولية على الواعين المثقفين الدارسين الإهتمام الثقافي والمعرفي بمدينتهم لقيمتها المتميزة النادرة.
فلا يجوز تجاهل مدينة بحجمها , فهي درة نادرة وجوهرة أثرية وثقافية لا تقدر بثمن.
فهل ستنال ما تستحقه من الرعاية والإهتمام , والمدن بأهلها؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here