المعارضة المثقفة حاضر خير ضمان لمستقبل افضل ح 6

المعارضة المثقفة حاضر خير ضمان لمستقبل افضل ح 6 د. رضا العطار

النضال ضد الدولة الفاسدة ذو شعبتين : سياسي وعسكري. اما المعارضة في حال الدولة الوطنية فلها ثلاث شعب: الاولى عدم الانضمام الى اجهزتها وحزبها، ثانيا مجابهتها بالنقد لاستخراج مكامن الفساد وعرضها على الشعب ليقول كلمته فيها – ويتم ذلك بالعمل الفكري والادبي او باي وسيلة ابداعية – وعلى هذا المنوال يجب ان يكون اسلوب كل مثقف معارض.

الدولة الوطنية تبتز المثقفين والجماهير، تريد من المثقف ان يهديها قصائد المدح لكي يثبت وطنيته وانتمائه الى الشعب – وتريد من الجماهير ان تصفق لها، لكي تثبت ولاءها ووفاءها – لكن ينبغي عدم الرضوخ للابتزاز لان المستفيد منه ليس الدولة ولا الجماهير بل رؤوس الدولة وازلامها الذين يمنون على الشعب انهم حرروه واطعموه – قبل ان يحرروه فعلا او يطعموه – – وقد ذهبت قصائد المدح سدى، ولم تحصد الجماهير من التصفيق غير وجع اليد.

احيانا تظهر عقلانية الدولة مع الاغيار من الامبرياليين والراسماليين لكن هذه العقلانية تتراجع عند ظهور اول مسحة بوتوبيا فعندئذ تعلن الدولة الوطنية حالة الاستنفار لقمع المنحرفين ولا تفعل عقلانية الدولة شيئا في التعامل مع وجهات نظر مغايرة لكي يبقى كل قائد في موضعه لا ينغصه معارض. – وبقدر ما قمعت المعارضة في الداخل جرى استسلام مقابل للامبريالية – – وكان من الثمار المرة لهذه العقلانية المنحازة ان اختفت المعارضة الشعبية وظهرت المعاضة اليمينية التي توصلت فيما بعد الى توجيه ضربتها القاضية لتلك الدول.

وقد حدث هذا ايضا في الدولة الوطنية، فعبد الناصر رحمه الله كان عقلانيا في التعامل مع السعودية فأبقى لها انور السادات ليكون خليفته من بعده ولم يستطع ان يكون عقلانيا مع الشيوعيين فشن عليهم حملة ابادة – – – سر الاسرار في هذه السياسات العرجاء ان الدولة تريد ان تفكر وتعمل بالنيابة عن جميع الناس لان القائد ما ان يقعد على كرسي القيادة حتى يكتسب صفات الامبراطور السماوي الذي يتحرك على قاعدة (كن فيكون)

يمكن التوصل من الاستقاء المبدئي لتجارب الدول ان القصور العقلي ملازم لاهل الدولة – – الحكام من الرؤوس الى الاتباع مسؤولون ما يصيب البلاد والعباد من الكوارث.هو في بعض اسبابه من نواتج هذا القصور العقلي للحاكم – على انه سبب واحد يعتبره عادة افتراض حسن النية. وإلا فان الفعل الكارثي للدولة ياتي وفي المقام الاول من فسادها الطبيعي، اذا كانت دولة طبيعية سوية او – وهذا هو الاغلب – من نذالة حكامها ولصوصيتهم وانحرافهم الاخلاقي وخساسة رغباتهم. وبالجملة من صغر نفوسهم ورخصها، ويكن القول ان نفس الحاكم من رئيس او ملك ونحوهما تكون في العادة اصغر من نفوس عامة الناس – بل ان نفس الحاكم يجتمع فيها من الشر ما لا تجده في نفوس افراد الشعب.- – – وقد دلت التجارب على ان هذه الصفة لا تتغير في حالتي الدولة الديكتاتورية والدولة الديمقراطية.

ومهما يكن فحقائق الدولة هذه، تفتح للمثقف ساحة صراع واسعة وتعطيه اليد العليا على الحاكم في كلتا الدولتين ويتم له ذلك بقدر ما يستوعب قيم الانسان النموذجي مقابل انحلال الحاكم ورخصه – – ومن جهة اخرى بقدر ما يتمتع بمفردات الثقافة المعارضة بخطوطها الكبرى في حضارة الغرب الحديثة مع خطوط الثقافة الشرقية، لا سيما رافديها العظيمين : ثقافة الصين وثقافة الاسلام. ليستمثل من ثم خيارات المثقف الحر الدائر في فلك الناس والخارج على السلطات الثلاث : سلطة الدولة وسلطة الايديولوجيا وسلطة المال.

* المرئي والامرئي في الادب والسياسة للفيلسوف هادي العلوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here