الزهراء رائدة المعارضة السلمية

بسبب تعاقب حكام الظلم والجور على مدى تاريخ المسلمين لم يصلنا من تاريخ وفضائل أهل البيت الا النزر اليسير والأحداث البارزه المهمه التي لم يستطع الأعداء إخفائها وهذا الأمر له شبيه في تاريخ البشرية فبالرغم من ان الله أرسل المئات من الأنبياء قد يصل في بعض الروايات إلى الآلاف وحتى إذا اقتصرنا على الاسماء المذكوره في القران التي لاتتجاوز الخمسة والعشرين نبي الا انه لم يصلنا من تاريخهم الا الشيء القليل لتسلط أعداء الأنبياء على الحكم وكتابة التاريخ وحتى القران لا يريد منا ان نغوص في تفاصيل حياتهم فذكر لنا من قصصهم مافيه عبره وفائده لمستقبلنا وإلا كان باستطاعته سرد تاريخ حياتهم بالتفصيل ورغم هذا القليل مما وصلنا عنهم وعن أعمالهم الا اننا امنا بقول الله انهم أفضل البشر في إيمانهم وأفعالهم
بالعودة إلى الزهراء سلام الله عليها مما متوفر لدينا من احاديث بحقها عدة احاديث تدل على منزلتها مثل الحديثين انها سيدة نساء العالمين وأنها بضعة الرسول من آذاها فقد آذى الرسول وقد امنا بقول الرسول رغم انه لم يصلنا من حياتها وأعمالها الا القليل.
هل الرسول أعطاها هذا الامتياز لانها ابنته نقول لا فصلة النسب لاتعني شئ عند الله والأنبياء بل هو عمل الإنسان وسيره في نهج الله وإلا للرسول أولاد نعم حزن عليهم لكن لم يصفهم بالبضعه وللنبي عمه الحمزة نعم حزن عليه وسماه سيد الشهداء لكن لم يقل أنا بضعة منه أو هو بضعة مني ولم يقل في حق عمه العباس شئ أما عمه ابو لهب فحكاية أخرى فبالرغم ان خطر ابو لهب على الإسلام اقل بكثير من خطر ابي سفيان وابي جهل الا ان الله اتخذه اول ملعون من الكفار ليبين ان القرابة النسبيه من النبي لاتعطي للإنسان منزله
نستنتج إذاً ان قول الرسول فاطمة بضعة مني ان فاطمه بضعة وجزء من المشروع الإلهي المحمدي وما ارسلناك الا رحمة للعالمين
سيسأل سائل لم نعرف عن فاطمه الا انها كانت تطحن الرحى وتجوع مع علي ليتصدقا على الفقراء وتصلي وتسبح تسبيح الزهراء هل هذه الأعمال هي المشروع الإلهي المحمدي نقول نعم هذا الجانب الايماني العبادي تميزت به الزهراء لكن ليس هو العمل الذي جعلها صاحبة مشروع محمدي
الذي جعلها صاحبة مشروع الهي هو السير في الخط المحمدي من خلال دورها في بث المفاهيم الإسلامية الإلهية
احد هذه المفاهيم التي برعت بها الزهراء ولم يستطع اعدائها إخفائه إيجادها نهج معارضه ومقاومه جديد الا وهو المعارضة السلميه في النزاعات والحقوق والحكم وهو مستمد من الدعوات السلميه للأنبياء للإيمان بالله لتثبت الزهراء انها صاحبة درايه في احد اهم العلوم وهي العلوم السياسيه
المعارضة والمقاومة السلميه نهج جديد لم يعرفه العرب بل لم يعرفه العالم القديم في نزاعاته الا في العصر الحديث فقد كانت الحقوق تؤخذ بقوة السلاح والحكم يؤخذ بالسلاح فبالرغم من ان الزهراء لو قالت يالثارات رسول الله لرأيت الف الف سيف يُمتشق والف الف رمح يُرفع باعتبار ان الامه حديثة عهد برسول الله الا انها رسمت نهجاً جديداً في المعارضة السياسية والمطالبة بالحقوق والحكم فرغم امتلاكها الأكثرية العدديه من المسلمين الا انها لم تجيش الجيوش بل اكتفت بالاحتجاج والخطب البليغه وهذه الخطب أظهرت علم اخر تفوقت به الزهراء وهو علم الكلام والبلاغة وتفسير القران .
قامت الزهراء بنهجها المعارض الجديد بعقد الندوات في بيتها وإلقاء الخطب من المسجد النبوي لكي يصل احتجاجها لكل المسلمين باعتبار ان المسجد النبوي يمثل ابرز معلم ومركز المدينة التي تجتمع الناس حوله اضافة للأثر المعنوي والديني انه يمثل مقر حكم النبي وهذه المعارضة السلمية قد أحرجت خصوم الزهراء وتمنوا لو كانت معارضتها مسلحه ليكون ردهم بالقوه مبرر ومشروع أمام أنصارهم
صحيح ان الزهراء لم تجنِ ثمار نهجها الجديد في حينه وهذا امر طبيعي فكل نهج وكل علم جديد يحتاج وقت ليكون مفعوله مؤثراً الا انها أعطت للبشرية أسلوب جديد في المعارضه
الأمر الآخر الذي أظهرته حركتها المعارضة هو انها هي من يعطي التفسير العملي للقران من خلال ابطالها تفسير اصحاب الحكم في وقتها للايه( واطيعوا الله واطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم) حيث جعلوا من أنفسهم امتداد لله والرسول لتأتي الزهراء في معارضتها قائلةً بان امتداد الرسول وولاية الأمر لايمثله أي إنسان وأي حاكم وأبطلت مفهومهم للايه وقد حاول بني أميه في فترة حكم معاويه ويزيد احياء هذا المفهوم للسيطرة على الامه سياسياً من خلال القران الا ان المعارضة الحسينية التي هي امتداد لنهج المعارضة الفاطميه أبطلت هذا التفسير وهذا المفهوم الذي أراد بني أميه ان يكون مبدأ إسلامي يدعم حكمهم وهذا المبدأ خطير وقد أوضحت في موضوع سابق ان ابطال هذا المبدأ( ان الحاكم ظل الله على الأرض وامتداد للرسول )يحتاج ابطاله إلى تحرك بمستوى تحرك الزهراء والحسين تثق بهم الامه وابطال هذا المبدأ ضروري لان تاثير الحاكم على الامه ودينها واخلاقها آني وخطير فباستطاعة الحاكم تغيير دين الامه ومبادئها ان تاثير الحاكم على المجتمعات قد يكون اسرع من تاثير الأنبياء والمصلحين فعيسى عليه السلام رغم آلامه ومعاناته لم يعتنق المسيحية الا عدد محدود من الناس لكن بمجرد ان اعتنق الإمبراطور الروماني المسيحيه أصبحت كل البقاع التي يحكمها الإمبراطور تدين بالمسيحية وان ايران السنيه بقت سنيه مئات السنين لكن بمجرد تشيع الشاه الصفوي أصبحت ايران شيعيه وان تركيا العثمانية بقت خلافه سنيه عدة قرون لكن بمجرد ان حكم اتاتورك العلماني أصبحت تركيا علمانيه لذا فان مبدأ الحاكم ظل الله على الأرض وطاعته من طاعة الله ورسوله كان يهدف بني أميه من ورائه لمسخ الإسلام .
ان المعارضة السلمية التي أوجدتها الزهراء للمطالبه بالحقوق والحكم استطعنا الوصول لها لانه حدث بارز في التاريخ لم يستطع الحكم المتعاقب والمعادي لأهل البيت من دثره وقد يكون للزهراء فعاليات وجوانب أخرى في حياتها طمسها الأعداء اضافة لإبداعها في العلوم السياسية والعلوم البلاغية والقرانيه تستحق الزهراء من خلالها ان تكون سيدة النساء وبضعة النبي

ضياء الخليلي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here