دولة سومر، النبع الحضاري الاول في تاريخ الانسان !

دولة سومر، النبع الحضاري الاول في تاريخ الانسان ! (*) د. رضا العطار

الصناعة !

تقع مدينة – نفر – جنوب بغداد الحديثة بنحو 100 ميل، كانت المركز الروحي والثقافي لبلاد سومر القديمة. وفي اعوام 1899 – 1900 ارسلت جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية اربع بعثات اثرية، نقبت فيها وكشفت عن الألوف من الواح الطين التي كان من بينها عدد لا يستهان به، مدونة بالنصوص الادبية السومرية مما يؤلف المصدر الاساسي لحضارتها.

وفي خرائب التل الذي سماه المنقبون بتل الألواح وهو موضع سوق الكتبة ويحتمل ان تكون بيوت المدارس وبيوت الأساتذة الذين كانوا يعلًمون الطلاب في بيوتهم.

كانت الصور التي اخذتها بعثة التنقيبات تدل على مبلغ العناية والصبر المتطلبين في عملية استخراج الألواح سالمة من التربة. وتكاد تكون جميعها التي وجدت في نفر مجففة بالشمس ومُعرًضة الى التهشم والتلف، وقد اصبح الان من الطرق المتبعة ان تنظف اللواح المستخرجة وتشوى في الموضع مما يقلل الأخطار الناجمة عن النقل.

وقد عثر على تمثال من حجر الكلس في حدود 2500 ق م بطول 23 سم في معبد في

(الخفاجي) ولعل الشعراء الذين الفوا التراتيل الخاصة بالاله انليل كانوا يشبهون هذا الشخص.

والمرجح ان طريقة الكتابة المسمارية قد اكتشفها وطورها السومريون. وان اقدم كتابات كشف عنها حتى الان، ظهرت على اكثر من الف لوح من الطين في حدود 3000 ق م دونت باللغة السومرية بطريقة ناجعة. وقد ادركت الاقوام المجاورون تدريجيا قيمتها وفائدتها العملية فأقتبسوها من السومريين وكيفوها في كتابة لغاتهم واصبح ذلك الخط شائع الاستعمال في جميع ممالك الشرق الأوسط.

لقد بدأ الخط المسماري وهو بهيئة صور. فكانت كل علامة عبارة عن صورة لشئ مادي ثم تحولت هذه العلامة الى كلمة التي كان معناها مطابقا لذلك الشئ المادي. ثم اخذ الكتبة السومريون يبسطون ويختصرون بالتدريج في اشكال العلامات الصورية حتى ابتعدت عن هيئتها الصورية، كما اختزلوا في عدد العلامات وجعلوها ضمن حدود معقولة. واليك تفسير العلامات المسمارية الواردة.

فصورة نجمة تمثل السماء وكلمتها صارت (آن)— وضد هذه هي (كي) اي الأرض—

وصورة الجزء الاعلى من الجسم (لو) اي الانسان— و(كا) اي الفم — و (دج) اي تكلم — و(نندا) اي الطعام، بينما كلمة (كو) تعني يأكل— وصورة نهر صارت كلمة ( آ ) اي ماء— وصورة القدم تحولت الى كلمة ( دو ) اي يمشي وكلمة ( جب ) تعني القادم— و صورة سمكة تقابل الكلمة ( ها ) وصورة السنبلة تقابل كلمة ( شي ) وتعني الشعير. وصورة الفرج تعني المرأة ويرمز اليها بكلمة (مورس) وصورة الجبل تحولت الى كلمة (كور ) وعلى هذا الاساس اصبحت العبارة المركبة تعني المرأة الجبلية.

ولكن لما كان السومريون يحصلون على الإماء عادة من الاقاليم المجاورة لهم، تحولت هذه المصطلحات الى كلمة ( الأمّة – الشعب )

ان العلامات المثبتة اعلاه، جائتنا من اقدم عهد لحياة الانسان في تطوره للكتابة المسمارية ولم يمضي على اختراع الخط الصوري وقت طويل حتى وجد الكتبة السومريون انه من الملائم ان يطوروا اسلوبهم ويحسنوه حتى صار في شكل شاع استعماله. وفي حدود 2500 ق م ظهرت علامات شبيهة برؤوس المسامير في نهاياتها عندما تنقش في الطين. وفي حدود الالف الثاني ق م وهو العهد الذي دوّن فيه القسم الاعظم من الالواح التي غدت العلامات المسمارية اكثر تبسيطا ووضوحا، استعملها الكتاب الملكيون في الأمبراطورية الأشورية، زمن ملكها الشهير آشور بانيبال في

الألف الأول ق م.

ينبغي ان لا يخفى على القارئ الكريم ما للخط المسماري من اهمية ثقافية عظمى في رقي الحضارة الانسانية عبر التاريخ القديم، فلولا الخط المسماري، لما كنا قادرين على معرفة الحضارات التي توالت في وادي الرافدين عبر التاريخ، قبل التاريخ. ففي منتصف القرن التاسع عشر عندما تمكن علماء الأثار الأوربين من معرفة الكتابة المسمارية وفك رموزها، استطاعوا بذلك ان يدرسوا اللغات الأكدية والبابلية والأشورية التي نقشت على الواح الطين بالخط المسماري، ثم قارنوها باللغات العربية والعبرية والأثيوبية، فتبين لهم ان كل هذه اللغات تتلاقى في جذور افعالها. وعلى هذا الاساس استنتج الباحثون ان هذه الأمم ترجع الى اصل واحد اسموه بالعنصر السامي كما اطلقوا على اللغات المتشابهة مصطلح اللغات السامية، المتفرعة اصلا من منبع واحد اسمه

لغة الأم، هذا من جهة ومن جهة اخرى اصبح للباحثين وللعالم اجمع ميسّرا ان يطلعوا، طبعا – بفضل الكتابة المسمارية – على مجمل الحضارات الانسانية التي عاشت في العراق القديم وفهم خصوصياتها بشئ من التفصيل. سواء أكانت من الناحية الدينية او السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية او الأدبية والتي بها اغنوا الحضارة الأنسانية على وجه الأرض بشهادة المؤرخ الأمريكي الشهير ويل ديورنت.

* مقتبس من كتاب الواح طينية السومريون لصموئيل كريمر جامعة شيكاغو 1963

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here