دونية المتعالي وغطرسة الوضيع

حمزة الحسن

ـــ أن نكون ودودين مع من يكرهوننا،
وقساة مع من يحبوننا،
تلك هي دونية المتعالي وغطرسة الوضيع.
* محمود درويش.
لطالما تساءلت من اين تاتي مشاعر العظمة
لشخصيات ضحلة وتافهة وسطحية؟
رغم كل محاولات الفهم،
فشلت في العثور على جواب مقنع،
ومع البحث توضح لي أن هذا السؤال نفسه أرق علماء النفس
منذ عشرات السنوات:
كيف للدوني والوضيع أن يتغطرس والعالم يتواضع؟
جواب العلماء حلّ هذا اللغز كالتالي:
ان مشاعر العظمة والتظاهر بالثقة بالنفس والتفاخر،
نابعة من ذات وهمية زائفة لأسباب كثيرة،
وهي من يصدّر للفرد هذه المشاعر الزائفة،
في حين أن الذات” المدفونة” تشعره في ومضات ان حقيقته ليست في القناع
والواجهة وقدراته الحقيقية ليست كما يعتقد.
مشاعر العظمة والغطرسة من قناع وأنا مزيفة،
لكن مشاعر الدونية والاحتقار الذاتي من أنا مدفونة،
الأولى تلبي حاجاته للتغطرس واللذة بأخس الطرق،
والثانية تنغص عليه حياته،
ومن هنا الصراع المستنزف الذي يظهر في الكآبة والدونية الذاتية الخفية
والاحتقار النفسي وتشكيلة هائلة من الاعراض النفسية الخفية،
والبحث المهلك عن من يشبع حاجة العظمة والقيمة والمكانة.
يقول علماء نفس كبار بعد حل الشفرة الغامضة بين العظمة الاستعراضية والدونية الخفية
إن هذا سلوك تعويضي لمشاعر النقص والفشل الحقيقي والاحباط
والحقد والكراهية والغل التي تخلقها عوامل مختلفة حسب الافراد،
لكن هذه الشخصيات توصف بالسامة والمتلاعبة وتمارس الكذب القهري
حتى لو كان الصدق يوفر لها مزايا افضل،
فهي ” محكومة” بالكذب والطرق الالتفافية:
حسب الوصف الطبي إن هؤلاء لم يتركوا للشيطان ما يفعله،
وحياتهم اليومية رحلة صيد وقنص لمخلوق مفترس،
بعد اختراع شخصية نقيضة من الذات المزيفة،
على حساب الذات الملغية،
وأقذر عمل لهذا الصنف اختيار أجمل الصفات والقيم والمبادئ كقناع،
والظهور بواجهة جذابة لكنه نسيج العنكبوت .
عالم النفس الفرنسي بيير داكو يقول إن هذا الصنف تشكيلة واسعة من السيكوباث والنرجسيين الخفييين المخلوقات الأخطر في الحياة
وهم في كل المهن حتى بين أطباء ومحامين وساسة زعماء وقادة وعامة الناس،
ومما يجعل اكتشافهم صعباً حتى من وسط عائلي قريب قدرة التخفي
والدفاع المستميت وطرح الذات كضحية
والتلاعب بمشاعر الاخرين على انهم هم السبب،
مما يخلق الحيرة والاضطراب والارتباك لدى هؤلاء،
الذين لاسباب كثيرة خاصة كالحياة المشتركة والاطفال يضطرون
للتعايش مع مخلوق شيطاني في فترات هدنة مؤقته،
لأن العيش مع هذا الصنف هو مشي في حقل الغام ولا تعرف متى ينفجر
بعد صمت طويل كان خلاله ينسج مصيدة لاتفه الاسباب ،
ويطبخ وجبة سامة بعقل بارد تشعره بالقيمة والمكانة واللذة.

هؤلاء لا علاج لهم أبداً،
فكيف تقنع عبقرياً زائفاً إنه مختل؟
على العكس من هذا النموذج هناك الشخصية الانبساطية الهادئة الطبيعية
التي تتكلم وتفعل الشيء نفسه،
لان الجمال الداخلي ينعكس على الوجه كطيف هادئ مطمئن حتى تشعر بالسكينة،
وتقبل على الآخرين بعفوية ترتقي ان تكون جمالاً،
لان اللطف جمال دائم،
ولا تعرف التخطيط والمكر وفكرتها عن نفسها دقيقة بلا عجرفة،
والسبب لأنها تتواصل مع ذات طبيعية،
في حين الذات المشوهة عاجزة كلياً عن الدخول في علاقة مع ذات دفينة ملغية،
فكيف يمكن رؤية الذات بمرايا مهشمة؟
وكيف يمكن ان تقيم علاقة سوية مع الاخرين اذا كانت علاقتها مع ذاتها الطبيعية ملغية؟
إنهم حولنا وخلف الباب تقول عالمة أعصاب وتشريح الدماغ
بل تقول اكتشفت في محيطي القريب بعضهم.
ان توأم الروح كما طرح نفسه هو في الحقيقة ذئب مختفي في دغل
وكل ما ينتظره هو مرحلة قادمة لان القفز مراحل وخطوات مدروسة بدقة حسابية
بعد ان تكون الضحية قد إطمأنت تماماً،
وما ان ينتهي من فريسة حتى يذهب الى اخرى او تكون جاهزة مسبقاً،
فلا يترك ضحية دون أن يكون وجد البديل
وبلا بديل الضياع والفراغ والاحتقار الذاتي لانه فارغ من الداخل
وذاته المزيفة بلا طاقة ولا وقود ولا يطيق مواجهتها وحيداً،
فيهرب للبحث عن محطة وقود وهكذا في رحلة هلاك حتى اليوم الاخير.
اثبتت الاختبارات والدراسات ان هؤلاء حتى على فراش الموت لم يعربوا عن ندم
عن افعال شنيعة والسبب ان العقل المختل له طرق مقلوبة ومخيفة في النظر للحياة والناس.
هؤلاء لهم معاييرهم الخاصة خارج معايير الطبيعة والبشر،
ومن العبث الحوار معهم بمعايير وقواعد سوية رصينة،
لأنهم عضوياً ونفسياً واخلاقياً يفتقرون للعاطفة والاحاسيس النظيفة والضمير الحي،
وحياتهم محاكاة للآخرين في دور تمثيلي مستنزف لا ينتهي،
وهم أتعس المخلوقات رغم الاستعراض التعويضي الخارجي
للتغطية على جحيم الداخل والتمويه على نار لا تنطفيء
في حياة تحولت الى مسرح تهريج هزلي ورخيص وحفل تنكري بالاقنعة
والويل لمن يدخله بوجهه الحقيقي بتعبير كافكا؟.
غطرسة الوضيع،
ووضاعة المتغطرس.

* هامش: في صور شعاعية ضوئية للمخ تظهر الفوارق بين الدماغ الطبيعي وبين دماغ النرجسي الخفي والسيكوباتي السادي و ثالوث الظلام وكانت لدى هؤلاء رمادية و”القشرة اللوزية” أقل حجما من الطبيعي وهي مراكز المشاعر والعواطف والضمير التي تنعدم لدى هؤلاء لذلك يتصرف هؤلاء بلا أخلاق وبتلاعب وتبرير أحط الأفعال وبلا اي مبادئ مع لذة الشر ولكن تقمص من خلال الاقنعة ببراقع لانه ليس في المخ ما يخبرهم بحقيقتهم بل بعظمة زائفة واستحقاق وهم أشد الناس خطراً : متلاعبون ونصابون في عداء أبدي مع الحقيقة والصدق وحياتهم تمثيل ويكثر هؤلاء في مجتمعات مغلقة تتحاشى النقاش حول هذه العاهات أو حتى تلجأ للتفسيرات الأخلاقية السطحية. وهم في كل المهن لكن تحت أقنعة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here