الليبرالية فأس لقتل ثعبان الخرافة

الليبرالية فأس لقتل ثعبان الخرافة (*) بقلم د. رضا العطار

كان الفيلسوف الفرنسي فولتير العدو الاول للخرافة في عصر التنوير. وقد كرس جزءا كبيرا من وقته وكتاباته لتتبع الخرافة ومحاربتها والسخرية منها ونفيها من المسيرة الانسانية، خاصة تلك التي ذكرتها الكتب المقدسة واعتبرتها من مصادر التاريخ. وفولتير يرفض الخرافات التي تعج بها الانجيل والتوراة والتي تتحدث عن عبور اليهود البحر الاحمر دون ان تبتل اقدامهم ! – – ولم يكسر راس الخرافة التي تبدو كثعبان ضخم غير فأس الليبرالية في عصر الانوار.

لكن فولتير يتساءل : كيف السبيل الى الايمان بالمعجزات التي اسقطت اسوار اريحا عندما نفخت وجعلت شمشون يهزم جيشا كاملا بمجرد فك اسر الحمار – وكيف ان الملائكة يقومون هنا وهناك باعمال خارقة ؟ – – – ويتساءل كذلك عن معقولية العميان الذين شفتهم كلمة او اشارة – او عن احياء الموتى والارتفاع الى السماء – وفي حمل المرأة بلا دنس في بتولة العذراء مريم حتى بعد ان ولدت في حين ان يسوع كان له اخوة، كما يقول اندريه كريسون عن لسان فولتير الذي يؤكد ان الكتب المقدسة ذات قيمة تبشيرية اخلاقية فقط وما عدا ذلك، تزخر بالخرافات، فما علينا الا ان نتحرر منها.

فنحن الشرقيون لا يمكن ان يكون لنا مستقبل مشرق مع غطسنا في وحل فكر الخرافة السائدة الان ومنها ما كان من خرافة ظهور العذراء مريم في سماء احدى الكنائس القبطية في القاهرة – – حدث هذا بعد هزيمة 1967 لتخدير الناس بالقول ان العذراء قد ظهرت لكي تحرر سيناء من رجس الصهاينة – – وقد استنكر الليبراليون الاقباط لهذه الظاهرة الغيبية يومذاك.

و قامت سلوى الخماش برصد هذه الظاهرة الخرافية في كتابها (دراسات في العقلية العربية المتخلفة) كجزء من العقلية المهزومة.

فإذا لم تحدث فينا معجزة فكرية تحررية نقدية، تخلخل بنية العقل العربي المعاصر، سيكون مستقبلنا محاطا بأسوار الاصوليات المدمرة مطعمة بثقافة الخرافة.

ان التنافر والعداء هما اللذان سدا علاقة العلم بالايمان ابان العصور الوسطى وهو عداء صنعه حراس الكهانة على مختلف مستوياتهم، خوفا من دك حصونهم الكهنوتية التي لا يستقيم لها وزن الا بمصاحبة الخرافة والنظرة السحرية للعلم، وهي اول ما يتنافى مع مبادئ العلم.

ان اكبر كارثة حلت بالاسلام والمسلمين هي كارثة حشد الامة ضد العقل منذ وقت مبكر من تاريخنا – ان الرفض القاطع للعقلانية ومحاربة حركة التنوير على امتداد التاريخ العربي كله قد اوصد كل الابواب امام محاولات الاستنارة. وكان من نتائج كل هذا احداث 11 سبتمبر 2001 الكارثية. ولكن هذه الكارثة ايقظتنا من نومنا العميق في عسلنا الاسود، ثم بدأنا من جديد نتحدث عن اهمية العقل في البناء الحضاري العربي، بعد ان كنا قد احرقنا معظم كتب العقلانية ودفنا ثقافة العقل وعلى راسها ما جاءنا به الفلاسفة كامثال ابن رشد وابو بكر الرازي وابن سينا وابن حزم وغيرهم من المفكرين العظام

فبعد كارثة 11 سبتمبر 2001 افقنا من النوم وظهر لنا اننا امة الارهاب، وان منبع الارهاب العالمي يخرج من جحورنا وكهوفنا، قبل ان يخرج من كهوف تورا بورا واذ نحن فجأة في مواجهة دموية امام العالم كله. – – اصبحنا نحن الضعفاء الفقراء المتخلفين المتفرقين، العالة على الاخرين في صف – والاخرون في صف مقابل – ويا للمهزلة !

وبدأنا نتحدث حينئذ عن اهمية التفكير العقلي في ثقافتنا – ليس ايمانا بالعقل والعقلانية – فالعرب – كما قال المفكر العربي البليهي – يحاربون العقل والعقلانية منذ قرون – ولكن بدانا نتحدث عن العقل والعقلانية بعد كارثة 11سبتمبر 2001 كرد فعل للكارثة فقط وللدفاع عن انفسنا وردا لتهمة الحقيقة بمسؤوليتنا عن هذه الكارثة الفظيعة

لقد اصبح مفهوم العقلانية الذي غدا ذائع الصيت وموضة السياق الثقافي العربي قد تحول الى خطاب سياسي تقدمي لاستصحاب العقلانية في مناحي الحياة العربية والاسلامية كافة – – فقد دعا ذلك الخطاب مستهلكيه الى تبني العقلانية منهجا حياتيا سواء على مستوى السلوك او على مستوى انتاج المعرفة وهو الاهم. مؤكدين على تأويل النصوص الدينية بما يتوافق ومتطلبات السياق الثقافي الجديد الذي يراد تدشينه في عمق الاجتماع العربي / الاسلامي.

* شاكر النابلسي في (الليبرالية بين الوهم والحقيقة) مع التصرف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here