صراع ام حوار الحضارات

د.عامر ملوكا

نقرأ ونسمع كثيرا عن حوار الحضارات او صراع الحضارات في العقود الأخيرة، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسيطرة أمريكا المطلقة وتحول العالم الى قيادة القطب الواحد ، بعد ان كان هناك قطبان فاعلان على الساحة الدولية. وسوف نوضح المصطلحات الثلاثة الحوار ومن ثم الصراع وأخيرا الحضارات كمدخل للموضوع. الحوار يحتاج على الأقل جهتين او طرفين كل منهم يمتلك أفكاره ومعتقداته الخاصة يحاول طرحها على الطرف الاخر لكسب تأييده او إقناعه بما يعتقد، ومن ناحية أخرى ، هو تفاعل إيجابي ثقافي يؤمن او يعترف بحق الاختلاف ويؤمن بالتعددية ومبدأ المساواة. وان لفظة الحوار تعتبر جديدة وحديثة حيث ان معظم المواثيق والمعاهدات الدولية الصادرة بعد نشوء منظمة الأمم المتحدة لم تذكر مصطلح الحوار لابل ذكرت مصطلحات قريبة كالتعايش السلمي والتسامح والتعاون. ولابد للحوار ان يرتكز على مفهوم من النقاش البناء، وكل ذلك يسير مع التبادل بين الأطراف المتحاورة بالمعلومات والخبرة، بهدف الوصول لأفكار جديدة، أو تحسين وتطوير فكرة قديمة، مع تبادل لمختلف الآراء. وهناك عدة أنواع من الحوار: الحوار الإقناعي، الحوار الاستكشافي ، الحوار التفاوضي ، الحوار الاستقصائي ، ، الحوار التأملي والحوار البحثي . اما الصراع هو اختلاف او تصادم الأنشطة لأطراف مختلفة، بمعنى اخر هو نزاع ناتج عن التباين والاختلاف في العقائد او الأفكار او المصالح وقد يكون هذا الصراع حقيقيا او قد يكون متخيلا وقد يصل الصراع الى استخدام القوة ويسمى بالصراع المسلح. ومن اهم العوامل التي تؤدي الى صراع الحضارات: العامل الثقافي، الاختلاف الحضاري للشعوب والأمم ، السياسة العالمية ، الرغبة في السيطرة على العالم ، القوة الاقتصادية والثقل الديموغرافي.

اما الحضارة فهي مصدر الفعل حَضَرَ وتدل على الإقامة في الحضر وهي قائمة على التمدن وتشمل الاستفادة القصوى للإنسان من كل التطور والاختراعات التي اكتشفها والتي تجعل حياته أكثر رقيا من جوانب عديدة ، العقلية، والمادية والنفسية والاجتماعية. وأيضا الحضارة هي كل ما يبدعه الانسان في مختلف المجالات العلمية والإنسانية والاجتماعية لتنتج نظاما اجتماعيا يتضمن العادات والتقاليد والقيم وبالتالي يصبح أسلوب حياة للشعوب وتشمل أيضا كل ما يتعلق باللغة والدين والتاريخ.

صامويل فيليبس هنتنجتون وهو عالم وسياسي أميركي، وبروفسور في جامعة هارفارد قسم العالم الى ثمان حضارات : الحضارة السينيزية وهي الصين وفيتنام وكوريا، الحضارة الهندوسية وهي تمثل أساس الحضارة الهندية ،الحضارة اليابانية ، الحضارة الإسلامية ، الحضارة الغربية وهي تمثل أوروبا وأمريكا الشمالية ، الحضارة الأورثوذكسية متمثلة في روسيا ، حضارة أمريكا اللاتينية متمثلة في أمريكا الوسطى والجنوبية و الحضارة الإفريقية .

وكان هنتنجتون قد نشر عام 1993، مقالا أثار جدلاً كبيرا بنشره بعنوان صراع الحضارات في مجلة فورين آفيرزو التي أصبحت كتابا فيما بعد . وخلاصة ما جاء به هنتنجتون أن الثقافة أو الهوية الثقافية، او بشكل ادق الهوية الحضارية، هي من اهم العوامل التي سوف تقود الى الصراع بين الحضارات بعد ان كان النزاع ايدولوجيا بين الشيوعية والرأسمالية. وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وقيادة العالم من خلال قطب واحد. ويرى المؤلف ان العالم متعدد الأقطاب والحضارات ويتوقع بان الغرب في طريقه للتقهقر والضعف وحيث ان الغرب استغرق 400 عام منذ عصر النهضة في القرن الخامس عشر ليصل الى قمة التطور مع بداية القرن التاسع عشر فان الغرب سوف يحتاج لأربعة مئة عام للانحدار والانهيار.

وفي الطرف الاخر هناك الحضارات الاسيوية تنمو وتتطور اقتصاديا وأيضا الإسلام ينفجر سكانيا، ويتطرق أيضا عن الالتفاف الحضاري للدول حول بعضها وخاصة التي تشترك او تتقاسم الروابط الثقافية المشتركة . وعبر الكاتب عن ان شعارات العالمية والإنسانية التي يطرحها الغرب هي من اهم العوامل التي تجعله في مواجهة وصراع مع الحضارة الاسيوية الصينية والإسلامية.

وفي الطرف الاخر طرح المفكر الفرنسي روجيه جارودي كتابه حوار الحضارات، وهدف المؤلف من خلال كتابه هو ان يخترع الجميع مستقبل الجميع وقد اكد جارودي بان اوربا وليدة ثلاثة تقاليد ، على المستوى الديني والأخلاقي الكاثوليكية وفي المجال الفكري التقاليد الاغريقية ام المجال السياسي فتأثرت بالتقاليد الرومانية ، وأيضا ذكر بان الحضارة الغربية أعطت الأهمية للعقل والفعل واعطاء أهمية لراس المال والتفوق في السلاح والسيطرة على البحار والمحيطات واستغلال الشعوب لخدمة مصالحها . ويشير أيضا جارودي في كتابه الى محاولة الغرب من خلال الاستعمار إبادة الحضارات الأخرى كحضارة الازتك والمايا في أمريكا وبالنك في المكسيك ويبين أيضا تأثر الغرب بالكثير من الحضارات الأخرى حول العالم.

حاول جارودي في كتابه التركيز على نقاط الالتقاء بين الحضارات وإيجاد أرضية مشتركة للحوار واللقاء والتفاهم والتكامل بين المجموعات الحضارية المختلفة ثقافيا .فالصراع الحضاري وحوار الحضارات الاثنان يتفاعلان على الساحة الدولية في النظام العالمي الجديد وما نشهده هذه الأيام قيام الحرب الروسية الأوكرانية والتي تنبأ بها هنتنجتون في كتابه صراع الحضارات واشارته الى الانقسام المحتمل بين السلاف الأوربيين في غرب أوكرانيا والسلاف الروس في شرق أوكرانيا لن يكون نتيجة الاستقطاب العرقي، ولكن سيكون في الغالب ذات صلة بالاختلاف الثقافي هذا يجعل أوكرانيا نموذجًا أوليًّا ممتازًا لدراسة دور الثقافة والهوية الحضارية. فقد تبنّت الكثير من المنظّمات الدّوليّة فكرة الحوار بين الحضارات و خاصة اليونسكو حيث عقدت أوّل ندوة عالمية حول الموضوع في أكتوبر عام 1930 بلشبونة، وأيضا في عام 1995 عقدت ندوة تحت عنوان (من أجل التّضامن و ضدّ التّعصّب و في سبيل حوار بين الثقافات) في تبليسي عاصمة جمهورية جورجيا . وقد تبنت الأمم المتحدة تقريرا معد من قبل 250 من كبار مثقفي العالم تحت عنوان

و قدّمت اللّجنة تقريرا في 250 صفحة تحت عنوان (عبور خطوط الانقسام…الحوار بين الحضارات) و أكّد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في هذا التقرير بان الحوار قديم قدم الحضارات وجميعنا بحاجة له . نستطيع الاستنتاج بان الصراع والحوار الحضاري متواجدان فكلما تراجع الحوار حل محله الصراع وكلما تقدم الحوار تراجع الصراع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here