العراق في قلب -الحزام والطريق-.. أفعال لا أقوال

العراق في قلب -الحزام والطريق-.. أفعال لا أقوال
نجاح محمد علي سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

لدى العراق امكانية أن يصبح نقطة التقاء بين الشرق والغرب بالنظر إلى موقعه الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا مما سيفتح نافذة جديدة له لتوسيع قاعدته الاقتصادية، وتحقيق التنوع الاقتصادي فيه، وهنا تبرز أهمية مشروع ميناء الفاو الكبير والربط السككي الذي ينعش اقتصاد العراق ويحيي آمال “طريق الحرير”.

قال رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن العراق يرتبط مع الصين بعلاقات عميقة ، ” ونتطلع الى تعزيزها وفق مبادرة الحزام والطريق” , وأكد أن العراق يركز على تطوير الاقتصاد داعياً الصين إلى الانفتاح التجاري على العراق. في هذه الأثناء حذرت وزارة الدفاع الأمريكية من تطور علاقات بغداد مع بكين.
الصين هي أكبر شريك تجاري للعراق ، وبلغ حجم التجارة بين البلدين 33.7 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري ، وقد يصل إلى أكثر من 40 مليار دولار في غضون أسابيع قليلة ، نهاية العام. يتركز التبادل التجاري بين العراق والصين بشكل رئيسي على تصدير النفط العراقي واستيراد البضائع الصينية المختلفة. كما أن الصين تتابع استثماراتها في مجالات البنية التحتية والإنشاءات والطاقة في العراق ، لكن يبدو أن كل هذه الاستثمارات لاتعد شيئاً يُذكر مقارنة بفوائد انضمام العراق إلى مبادرة الحزام والطريق.

قبل أيام ، شارك رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني ، في قمة التنمية والتعاون العربية الصينية في الرياض بالمملكة العربية السعودية.
وفي إشارة إلى العلاقات المتطورة والعميقة بين العراق والصين ، قال السوداني إن “العراق حريص على تعزيز شراكته مع الصين في إطار خطة الحزام والطريق الواحد (النسخة المحدثة من طريق الحرير) ويريد أيضاً تطويل العلاقات في مجالات الاستثمار والطاقة وخطط البنية التحتية.
وأشار رئيس الوزراء العراقي إلى أن اللقاء العربي الصيني يقوم على “فهم عميق للساحة الدولية لبناء سياسة خارجية متوازنة ومزدهرة” ، وقال إن بلاده قادرة على أن تكون “نقطة التقاء بين الشرق والغرب”.
فهل سيتجه العراق بالفعل نحو تعزيز العلاقات والمشاريع المشتركة مع الصين؟ و ما هي العوامل التي يمكن أن تخلق عقبات في طريق زيادة العلاقات بين العراق والصين ، وهل من الممكن أساسًا أن ينضم العراق إلى مشروع الحزام والطريق الصيني بالاعتماد على إمكانات مثل ميناء “الفاو” وموقعه الجغرافي الاستراتيجي ؟
وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حذرت العراق وبعض دول غرب آسيا بشأن استمرار التعاون المكثف مع الصين بسبب ماتراه من آثار سلبية لهذا الإجراء على المصالح الأمريكية.
تولي الصين اهتماماً كبيراً لعلاقتها مع العراق ، وسبب هذا الاهتمام يمكن العثور عليه في استخدام الصين هذه العلاقة للضغط، في المنافسة مع الولايات المتحدة ، خاصة في ظل الوجود العسكري الأمريكي في العراق ، و في الأهمية الاستراتيجية للعراق في موقعه الجغرافي وثروته الضخمة لاستكمال مبادرة الحزام والطريق الصينية ، وكذلك إمكانية أن يلعب العراق دورًا فعالاً في السياسات الإقليمية المستقبلية .

لهذه الأسباب ، تحاول الصين ربط العراق بمشروع الحزام والطريق ، وأبدت الحكومة العراقية اهتمامًا في هذا الصدد في آذار مارس 2019 أثناء حكومة عادل عبد المهدي، وعملت على تسريع إجراءات الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبالتالي إحياء طريق الحرير التأريخي.

عامل آخر في يساهم تطور العلاقات بين العراق والصين ، هو النفط والطاقة.بكين حريصة على زيادة الاستثمار في مجال الطاقة العراقي ، على الرغم من أن الصين قد استثمرت بالفعل الكثير في آبار النفط وحقول الطاقة العراقية. قامت الصين باستثمارات كبيرة في 5 حقول نفطية ، منها “الرميلة” و “غرب القرنة رقم 1” و “ميسان” و “الأحدب” و “حلفاية ” ، بالإضافة إلى عقود مثل التطوير.
اختتم العمل بحقل “سندباد” النفطي بالبصرة ونفت خانه وحويزة. تم توقيع عقد مع شركتين صينيتين لتكرير 300 ألف برميل نفط يومياً في ميناء الفاو ، كما تم التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الصينيين للاستثمار في حقل المنصورية للغاز.

و تراقب الصين المشاريع الاستثمارية الغربية في العراق ، وهي تتطلع للحصول على حصة شركة إكسون موبيل الأمريكية في حقل النفط الأول بغرب القرنة ولوك أويل الروسية في الحقل 2 ـ حقل نفطي في الغرب ، لكن هناك جماعات داخلية رفضت ذلك بزعم أن “الوجود الصيني القوي يثير مخاوف بشأن نفوذ بكين القوي في قطاع الطاقة العربي ، وهذا قد يعيق استثمار الشركات الغربية .

يمكن للحكومة العراقية أن توجد توازناً في تعاملاتها مع الدول ، مع ملاحظة أن موضوع الاستقرار الأمني في العراق مهم لجميع الشركات ، بما في ذلك الغربية ، والصين تحاول التغلب على هذه المشكلة أيضاً . يتبع الصينيون بعض الخطط باستخدام عقود وسيطة (مقاولون محليون). على سبيل المثال ، سُمح للصينيين ببناء مدارس في العراق بعقد. بقيمة مليار و 200 مليون دولار ، وقد قاموا بتطوير هذا المشروع بعقد ثانوي وحصلوا على ربح كبير يقدر بـ 700 مليون دولار، دون أن يكون لها دور خاص فيها لأن تصميم الخطة والإشراف عليها وتنفيذها كان عراقياً أيضاً.

بالرغم من أن فوائد العلاقات الاقتصادية مع الصين تخدم العراق ، يروج منفذو الأجندة الأمريكية في الداخل لمخاوف من أن مثل هذه المقاربات من جانب بكين في العراق ، تثير حساسية “العراقيين” وتعطيهم الشعور بأن الصين جنت الكثير من الأرباح في بلادهم، لكنها لا تقدم أي شيء مهم.

يتجاهل هؤلاء عن عمد مكانة العراق في العالم الجديد متعدد الأقطاب، وأنه يجب النظر الى أهمية العلاقات بين بكين وبغداد من زاوية أوسع ومختلفة ومن خلال عدسة ظهور عالم متعدد الأقطاب . العلاقات مع الصين مهمة للغاية في مجال الاقتصاد والسياسة ، وهذه العلاقات لها أهمية خاصة على المستوى الاستراتيجي ؛ خاصة وأن قطبًا جديدًا ينشأ في العالم يتمحور حول الصين وروسيا ومنظمات اقليمية مثل شنغهاي وبريكس. أصبح هذا القطب ملحوظًا بشكل خاص مع الخطوات التي اتخذتها الصين ؛ مثل إنشاء بورصة “بترو يوان” مع معاملات النفط الخام باليوان الصيني) (تبادل النفط مقابل الدولار) وأيضًا إنشاء بنك الاستثمار في البنية التحتية الصينية الذي يُفترض أن يحل محل البنك الدولي.
الحرب الروسية مع أوكرانيا والصراع مع الجبهة الغربية ، ليست سوى عملية تسريع لظهور القطب الثاني في العالم ، ومن ناحية أخرى يعتبر اقتصاد الصين أكبر اقتصاد في العالم ، لذا فإن مصلحة العراق هي أن يقف إلى جانب المنتصر المستقبلي . كانت تجربة تفاعل العراق مع الغرب كارثية ، وتاريخ هذه العلاقات مليء بالاحتلال والحصار الاقتصادي والعقوبات والمؤامرات ، بينما تجارب العلاقات مع الصين لم تكن سيئة .
زاد حجم التجارة بين العراق والصين بنسبة 2 في المائة هذا العام مقارنة بالعام الماضي ، وهذا يضع العراق في مصاف الشركاء التجاريين المهمين للصين ، ليكون بذلك ثالث بائع نفط لبكين بعد السعودية وروسيا. .

وبينما تنقسم المبادرة الصينية العالمية بين “حزام بري وطريق بحري”، فإنّ العراق موجود في خرائط التقارير الصينية بمجال الطريق البحري، ما يجعل ميناء الفاو داخل حسابات طريق الحرير. أما الحزام البري، فهو يمثل استثمارات الصين في المشاريع المختلفة ولا سيما مشاريع الطاقة في دول العالم، وهو إجراء موجود بالفعل من قبل الجانب الصيني في الاستثمارات داخل العراق التي تقدّر بأكثر من 10 مليار دولار تقوم بها الصين فعليًا في العراق خلال عام 2021.

عموماً، هناك عدة عوامل مشتركة ستعزز علاقات الصين مع العراق وتحول إبرة بوصلة بغداد نحو بكين:
1- ليس للصين تأريخ استعماري ، خاصة في العراق.
2- لا تتدخل الصين في الشؤون السياسية للآخرين ، ولها نهج اقتصادي ، لذا فهي مقبولة من الدول والحكومات.
3- لم يكن للصين تأريخ سيء فيما يتعلق بقضايا المسلمين والعرب الرئيسة وخاصة قضية القدس.
4- وقفت الصين الى جانب العراق في العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي ، بما في ذلك عام 2003 عندما لم تصوت لصالح غزو العراق واحتلاله .
5- تكلفة المشروعات الصينية منخفضة مقارنة بالأسعار الغربية وخاصة الأمريكية.
6- يمكن تمويل المشاريع الصينية الكبيرة بالحد الأدنى من الضمانات الحكومية بسبب السيولة العالية.

يبقى أن الفيتو الأمريكي هو أكبر عقبة أمام العلاقات العراقية الصينية.
لقد رأينا هذا الفيتو الأمريكي عندما ذهب رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي لتوقيع اتفاقية مع الصين أُعلن عنها للمرة الأولى في زمن رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي وأثار بذلك جنون الغرب ، وخاصة الولايات المتحدة ، لدرجة أنها حرضت على “ثورة ناعمة” أدت إلى سقوط حكومته باحتجاجات تشرين (أكتوبر 2019).

وبين مؤيد ومناهض ، ومع تغير معادلة التوترات الاقليمية والدولية لصالح العراق، وقد برز ذلك في تشكيل حكومة عراقية جديدة ، يصبح من نافلة القول إن بيع النفط العراقي الى الصين يقوم على أسس محض تجارية ،ويحتاج تنفيذ الاتفاقية الى أفعال منها بالطبع ما يتعلق بالشق المتعلق بالتمويل الائتماني (الاقتراض)، تضمين ذلك في قانون الموازنة العامة الاتحادية ، وهذا ما يجب أن يُدرج في موازنة العام 2023 من مشاريع تدرج وتنفذ على حساب اتفاقية إطار التعاون بين البلدين. فالموضوع برمته يجب أن لايتوقف عند علاقات عميقة مع الصين “نتطلع الى تعزيزها وفق مبادرة الحزام والطريق”. الانضمام الى مبادرة “الحزام والطريق” يحتاج الى أفعال لا أقوال.

• نجاح محمد علي هو صحفي استقصائي مستقل من العراق يكتب عن قضايا السياسة والمجتمع وحقوق الإنسان والأمن والأقليات. ظهرت أعماله في BBC العربي والفارسي ، و RT Arabic ، وقناة العربية ، وقناة الجزيرة ، و رأي اليوم ، و القدس العربي ، و انترناشيونال بوليسي دايجست ، من بين العديد من المنافذ الإعلامية الأخرى. خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية لمتابعته على تويتر @najahmalii

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here