أطفالنا والمستقبل الغامض

كامل سلمان

للأطفال سلطة كبيرة على اولياء الامور وعلى المجتمع وعلى الدولة وهذه السلطة تجبرنا ان نقدم للأطفال افضل ما نملك من رعاية وتربية وحماية وتزداد هذه السلطة قوة مع ازدياد الوعي لأولياء الامور لأن الوعي يجعل الإنسان أكثر إدراكاً لأهمية الطفل واحتياجاته ، فالاطفال مصدر من مصادر السعادة وفيهم الامل ، في الدول المتقدمة تتعدى سلطة الطفل حدود العائلة فتصل سلطته الى المجتمع والدولة ، فكل القوانين المجتمعية وحتى قوانين السياقة والطيران تعطي للطفل اهمية خاصة ، لذلك علينا ان لا نستغرب ان نجد حقوق الطفل في هذه الدول هي فوق كل الحقوق ، والطفل في تلك المجتمعات خط أحمر لا يجوز المساس به ، فليست للعائلة سلطة مطلقة على الطفل تتصرف به كيف تشاء ، وقد تتعرض العائلة للمسائلة القانونية إذا تجاوزت هذا الخط الاحمر ، فالدولة كفيلة بدعم واسناد حق الطفل فهو المستقبل وهو الامل وهو الاستمرارية للحياة بالنسبة للصنف البشري على هذا الكوكب ، فهؤلاء الاطفال يحملون راية البقاء للأجيال القادمة ، فنحن راحلون وهؤلاء الاطفال الوارثون ، ادراك هذه الحقائق دفعت الدول المتقدمة الى تأسيس منظمات خاصة ترعى وتتابع شؤون الاطفال في جميع انحاء العالم وهذه المنظمات لها دعم قوي من قبل حكومات هذه الدول . وحتى الاسواق التجارية تراعي اهمية الطفل فتوفر له مختلف الاحتياجات الخاصة بالطفل بأسعار تنافسية تخفف العبء عن العائلة . اما مدارسهم لها ميزانية تفوق ميزانية دوائر مهمة في الدولة ، فمثلاً ميزانية مدرسة ابتدائية عندهم تفوق ميزانية جامعة عندنا ، نعم بهذا الحجم هو الفرق ، الدول الاكثر تطوراً هي الدول الاكثر رعاية للطفل والدول الاكثر تخلفاً هي الدول الاكثر اهمالاً للطفل ، وهذا ما نجده فعلاً في دولنا ومجتمعاتنا من اهمال واضح لمتطلبات الطفل من رعاية وحقوق ، الاطفال عندنا لا يمتلكون اية حقوق مجتمعية او قانونية ثم يأتيك من يصرخ بوجهك ليقول نحن اصل الحضارات نحن اصل الإنسانية نحن اصحاب الافكار الصحيحة نحن مجتمعات غير مفككة وغيرها من العبارات النارية ، يتحدث بأعلى صوته وفي جواره اطفال يعتاشون على المزابل ، يتحدث بدين الله وبالقيم والاخلاق وبجواره اطفال يموتون بلا دواء ، يتحدث بالمقاومة والعروبة وبجواره اطفال لا يمتلكون اي مقاومة للأمراض ، يتحدث بالحق والباطل وبجواره اطفال بلا تعليم سلبوا منه كل حق وصبوا على رأسه كل باطل .
يمكننا قياس مستقبل اي مجتمع من خلال معرفة وضع الطفل في ذلك المجتمع لأنه هو المستقبل ، ياترى كيف سيكون مستقبل مجتمع اطفاله بلا تعليم وبلا رعاية صحية وبلا حماية ، اكيد سيكون مستقبلاً مؤلماً ضائعاً. . فهل سمعتم يوماً مسؤولاً او واعظاً او قائداً يتحدث عن سيادة الطفل في المجتمع ( مجتمعنا مازال يسمي الطفل زعطوط ) وكلمة زعطوط هو تحقير لعقل وحجم ومكانة الطفل . بحيث تجد الاطفال في مجتمعاتنا يتمنون لو أنهم كانوا كباراً لينالوا الاحترام ولو ان الكبار لا أحترام لهم . اتدرون ان وجود طفل يفترش الشارع او ينام في العراء او ينام جائعاً جريمة ترتكبها العائلة والمجتمع والدولة بحق هذا الطفل ولكن من يستطيع حسابهم ، المجتمع او الدولة العاجزة في الدفاع عن حقوق الاطفال فأنها تكون عاجزة في الدفاع عن الاوطان وما تسمعونه في اعلامهم كذب وأكاذيب واكبر دليل شرذمة من الدواعش جعلتهم يفرون حفاة الاقدام خوفاً ورعبا .
انظروا الى ما سببته الحروب ، دائماً اول المتضررين هم الاطفال ، يفقدون كل شيء يفقدون الاباء ويفقدون التعليم ويفقدون المستقبل . لماذا يحدث بهم ذلك ؟ لأن المجتمع يقوده قادة عندهم مبادىء واهداف قومية او دينية او تنفيذاً لأجندات خارجية وليس عندهم مبادىء إنسانية ، والعجيب ان هؤلاء القادة ومن اتبعهم يسارعون بتوفير الامان لأطفالهم ، بمعنى اخر لايهمهم مصير اطفال الناس ، مثل هؤلاء القادة الجهلاء هم سبب البلاء والابتلاء لأنهم لا يعرفون معنى ان يفقد الطفل اباه او يفقد الطفل مستقبله ، او يفترش الطفل الارصفة . هم فقط يعرفون مفردات العقيدة والصمود والتحدي وغيرها من المفردات الفارغة التي لو تركوها والتفتوا الى ورود المستقبل لما حدثت كل هذه المآسي . اية عقيدة هذه التي تسمح للقائد ان يجعل الاطفال ضحية للعقيدة و للمبادىء.
عندما نتحدث عن سلطة الطفل فهي ليست سلطة قهرية بل هي استجابة لهذا البرعم الذي سيكون عطاءه مستقبلاً بقدر ما يحصل من حقوق وهو في بداية العمر ، هذه هي سلطة الطفل التي يجهلها معظم الناس .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here