بمناسبة خروج صدام من الحفرة: نهاية المجرم في القرآن الكريم (ح 5)

الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن المجرمين “وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ” ﴿ابراهيم 49﴾ المُجْرِمينَ: الكفار و المشركون، وتُبْصِرُ أيها الرسول المجرمين يوم القيامة مقيدين بالقيود، قد قُرِنت أيديهم وأرجلهم بالسلاسل، وهم في ذُلٍّ وهوان، و “كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ” ﴿الحجر 12﴾ في قلوب المجرمين: أي كفار مكة، كما أدخلنا الكفر في قلوب الأمم السابقة بالاستهزاء بالرسل وتكذيبهم، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله وتكذيب رسوله، لا يُصَدِّقون بالذكر الذي أُنزل إليك، وقد مضت سنَّة الأولين بإهلاك الكفار، وهؤلاء مِثْلهم، سَيُهْلك المستمرون منهم على الكفر والتكذيب، و “قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ” ﴿الحجر 58﴾ قالوا: إن الله أرسلنا لإهلاك قوم لوط المشركين الضالين إلا لوطًا وأهله المؤمنين به، فلن نهلكهم وسننجيهم أجمعين، لكن زوجته الكافرة قضينا بأمر الله بإهلاكها مع الباقين في العذاب، و “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا” ﴿الكهف 49﴾ ووُضِع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله، فتبصر العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم، و “وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا” ﴿مريم 86﴾ يوم نجمع المتقين إلى ربهم الرحيم بهم وفودًا مكرمين، ونسوق الكافرين بالله سوقًا شديدًا إلى النار مشاة عِطاشًا، و “إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ” ﴿طه 74﴾ إنه من يأت ربه كافرًا به فإن له نار جهنم يُعَذَّب بها، لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، و “يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا” ﴿طه 102﴾ يوم يَنفُخ الملَكُ في القرن لصيحة البعث، ونسوق الكافرين ذلكم اليوم وهم زرق، تغيَّرت ألوانهم وعيونهم؛ من شدة الأحداث والأهوال، كما أدخلنا الكفر في قلوب الأمم السابقة بالاستهزاء بالرسل وتكذيبهم، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله وتكذيب رسوله، لا يُصَدِّقون بالذكر الذي أُنزل إليك، وقد مضت سنَّة الأولين بإهلاك الكفار، وهؤلاء مِثْلهم، سَيُهْلك المستمرون منهم على الكفر والتكذيب، و “يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا” ﴿الفرقان 22﴾، و “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا” ﴿الفرقان 31﴾ للمجرمين: اللام الاول حرف الجر، اللام الثاني اداة تعريف، مجرمين اسم، يوم يرون الملائكة عند الاحتضار، وفي القبر، ويوم القيامة، على غير الصورة التي اقترحوها لا لتبشرهم بالجنة، ولكن لتقول لهم: جعل الله الجنة مكانًا محرمًا عليكم، و “كَذَٰلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ” ﴿الشعراء 200﴾ كذلك أدخلنا في قلوب المجرمين جحود القرآن، وصار متمكنًا فيها، وذلك بسبب ظلمهم وإجرامهم، فلا سبيل إلى أن يتغيروا عمَّا هم عليه من إنكار القرآن، حتى يعاينوا العذاب الشديد الذي وُعِدوا به.

قال الله تعالى “قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ” (البروج 4) الاخدود هو شق كبير يحفر في الأرض او يكون طبيعيا وخاصة في التضاريس الجبلية او المتموجة. وأصحاب الاخدود هم مجموعة ناس عديمي الضمير كما كان يفعل صدام وزمرته، لا رحمة لهم وقساة القلب يرمون المخالفين لهم في الرأي والعقيدة في أخدود ليموتوا فيه. فالاخدود يصبح مقبرة جماعية للمناوئين وعوائلهم من نساء وأطفال وهذا ما فعلته بالتمام والكمال صدام واعوانه، وهذا التفسير ذكره معظم المفسرين بشأن قصة أصحاب الاخدود في القرآن الكريم. وهنالك تفسير ضعيف بأن أصحاب الاخدود هم الابرياء الذين يقتلون في الاخدود، وهذا التفسير مردود لان الايات التالية تبين انهم قعود على طرف الاخدود و شهود على الابرياء كما كان يتمتع صدام وابنائه على الأفلام التلفزيونية التي تسجل لهم وأعوانه المشرفون على المقابر الجماعية حيث عمت بصيرتهم “إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ” (البروج 6) أي أن أصحاب الاخدود المجرمون قاعدون على طرف الاخدود و يشرفون على حرق الأبرياء. لم يذكر الله سبحانه في سورة البروج صاحب الاخدود وانما أصحاب الأخدود أي ان كل من شارك في جريمة المقابر الجماعية وشاهدها ورضي بها وساندها مشمولون بعذاب الله. فالملك الظالم بدون هؤلاء جميعا لم يستطع ان يقوم بفعلته الشنعاء كما ان صدام لوحده ما كان يستطيع ان يقتل مئات آلاف الابرياء لولا الآخرين المساندين له. وهذا حاصل الى يومنا الحالي فلا يعتقد اي مساند لظالم انه سيفلت من عاقب الله وشاهد صدام وهو يخرج من حفرته كما تخرج العقارب والحياة والحيوانات المفترسة، وياليته كان حيوانا مفترسا ولكنه كان نعجة ذليلة. قال الله نعالى “وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ” (الشعراء 227). قال الله عز وعلا عن أصحاب الاخدود ” وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ” (البروج 8) يتميز الذين يعملون المقابر الجماعية كصدام وجماعته بروح الانتقام للمخالفين لرأيهم او عقيدتهم وهذا ديدنهم منذ خلق آدم عليه السلام الى قيام الساعة، والمؤمنون بالله العزيز الحميد الأبرياء هم عادة اهل المقابر الجماعية كأهل المقابر الجماعية عام 1991 في العراق الذي يريد الأشرار الانتقام منهم.

تكملة لما جاء في موقع الجزيرة عن القصة الكاملة لاعتقال صدام حسين تعرف على حقيقة مخبئه ورمزيته ولماذا لم يقاوم القوة المهاجمة؟ ويرى المحلل السياسي نجم القصاب أن عملية اعتقال صدام لم تكن مفاجئة، بسبب تخلّي كل الأطراف وكل المقربين عنه، حتى من عائلته ومن عشيرته. ويضيف القصاب للجزيرة نت أن صدام كان يعتقد أن أجهزته ستقاوم لسنوات وليس لأشهر، ولم يعتقد أنه سيلقى القبض عليه، ويتخلى عنه المقربون منه. ويقول الباحث والكاتب السياسي كفاح محمود: لم أكن أتوقع اعتقاله بهذا الشكل، كل توقعاتي أنه سيقود مجموعاته للمقاومة حتى يُقتل، لكن يبدو أننا لم نكن ندرك سريرة هذا الرجل الحقيقية. ويعرب محمود للجزيرة نت عن اعتقاده أن صدام كان ينتظر أمرا ما، أو يأمل تغييرا في التوجهات، لكن ما حصل أنهى كل ما كان يظنه. وحول مكان احتجاز صدام حسين يقول النجداوي إنه احتجز في أحد القصور الرئاسية. ويضيف أن االتعامل معه كان إجمالا بطريقة إيجابية. قبر الرئيس العراقي الراحل كان في منطقة العوجة قرب تكريت، حيث دُفن بعد إعدامه في قاعة للمناسبات، كما يقول الندا. ويضيف أنه بأمر من وزارة الداخلية في وقتها جرى رفع جثمانه من هذه المقبرة إلى المقابر العامة، ولكن لا أعلم حقيقة أين دفن. في حين ينوّه مرعي إلى أن القبر موجود، ولكن هناك نوعا من القلق لدى من يرقب زيارته، عدا عن تحول في المزاج العام، بسبب حجم الأحداث المريرة التي توالت على العراقيين. ويظن محمود أن موضوع قبر صدام لم يعد يشكل رمزية كما كان متوقعا، وما يواجهه العراقيون اليوم بمن فيهم بعض مؤيديه يجعلهم لا يهتمون بقبره أو مكانه.

جاء في موقع المنصة عن لعبة الطغيان: السقوط في الحفرة على طريقة صدام حسين للكاتب ياسر الزيات: في ستينات القرن الماضي، كان الشاب العراقي صدام حسين يدرس الحقوق في مصر، ويسكن في الدقي. هناك حكايات كثيرة عن حياة الشاب صدام في مصر، لكن ألطفها تلك التي لا يمكن أن تعرف إذا ما كانت نكتة أم واقعة حقيقية. كان صدام يجلس على مقهى إنديانا، المجاور لكوبري الدقي الآن، ويقال إنه لم يكن منتظمًا في دفع الحساب أحيانًا، وإنه، عندما أصبح رئيسًا، أرسل مبلغًا لصاحب المقهى، سدادًا لبعض الديون القديمة. ذهب المندوب إلى المقهى، وقال لصاحبه “هذا المبلغ مرسل إليك من صدام حسين”، فأجابه الرجل متسائلًا “إيه ده، هو الواد صدام لقى شغل؟ في نوفمبر 2000، زرتُ بغداد مع مجموعة من الشعراء، الذين كانوا، مثلي، شبابًا في ذلك الوقت. كان العراق لا يزال تحت الحصار الدولي المفروض عليه بعد مغامرة الواد صدام لغزو الكويت، لكن الحصار لم يمنع الرئيس صدام من إقامة مهرجان المربد الشعري السنوي، بل ربما زاده إصرارًا على مواصلته كنوع من الدعاية المضادة للحصار والمحاصرين. مئات الشعراء من العالم العربي كانوا يتلقون دعوات لحضور المهرجان الضخم، وكان منهم من يعود بساعة فاخرة عليها صورة صدام حسين. قال قائلنا نريد أن نرى العراق وأهله. سنذهب لدعم الشعب العراقي، لا الرئيس العراقي. واتفقنا على أننا سنذهب، وعلى أننا سنفعل كل ما يمكننا لكي لا نظهر في الصورة التي يريد صدام أن يلتقطها لتزيين حكمه، وأن نتفادى المشاركة في أي نشاط له طابع دعائي سياسي. عندما غصنا عميقُا في حواري بغداد، فرأينا ما لم يرد لنا صدام ورجاله أن نراه. كان من الصعب عليّ أن أتخلص من هاجس وجود صورة الرئيس في التواليت، طوال فترة وجودي في بغداد. خشينا أن ينزلق لسان أحدنا بكلمة تنتهي بكارثة. لم يكن هناك مكان آمن لتبادل الأحاديث مع العراقيين. أدهشني المآل الذي آل إليه العراقيون تحت الحصار، في بلد يمتلك من الثروات ما لا يمتلكه غيره: النفط، والزراعة والصناعة والعقول والثقافة والعمق الحضاري. لماذا يعيش العراقيون إذن كل هذا الفقر؟ عندما خرجت من بيت صديقي العراقي، بكيت بلا دموع، إلى أن دخلت غرفتي في الفندق، فانهرت تمامًا. أحسست بالقرف من كل هذه الأضواء في مهرجان يريد أن يخفي جوع صديقي وعائلته، ومن كل هؤلاء الذين يلبسون ربطات عنق، هي في حقيقتها حبال تربطهم بتلك السلطة التي هدمت بلدًا عظيمًا. نجونا من لقاء السيد الرئيس القائد المهيب الركن، وذهبنا إلى بنك قريب لاستبدال بعض العملات. كان لدى كل منا القليل من الدولارات التي دبرها لتكلفة تغطية الرحلة، لكن القليل الذي نمتلكه كان كثيرًا بالنسبة لزملائنا العراقيين. في البنك، فوجئنا بأن الدولار الواحد أصبح يساوي 17 ألف دينار عراقي، وربما لذلك نصحنا أصدقاؤنا بأن يأخذ كل منا كيسًا ليضع في الفلوس. اكتفي كل منا باستبدال 10 دولارات، أي ما يساوي 170 ألف دينار عراقي، وانتظرنا أن يعد موظف البنك النقود، لكنه اكتفى بوضع عدد من “الرزمات النقدية” على ميزان أمامه، قبل أن يسلمنا إياها. لا وقت لعد النقود، ولا جدوى من ذلك، وهي على كل حال، كما اكتشفنا، ليست مصنوعة من البنكنوت، بل مجرد أوراق مطبوعة، اكتشفنا أن ألوانها من الممكن محوها إذا بقيت في اليد فترة طويلة. كانت الدينارات مجرد أوراق مطبوعة، لكنها كانت مقبولة من الجميع، فليس هناك بديل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here