لا نريد إن يعود ( العراق ) إلى الديكتاتورية ، ولكننا نريده إن يعود لنفسه ،

الى ماضيه المجيد ليصيغ مستقبلاً طاهراً واعداً مشرفاً مختلفاً ، يلفظ كل هذا الغثاء الذي أتاه من الخارج ليمسخ هويته ،
الكاتب : د . خالد القره غولي
قبل ( 20 ) عاماً عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها لغزو العراق ، لم يكن هذا البلد يواجه خطر حرب أهلية ، ولا يتواجد على أرضه تنظيم القاعدة ، ولا أسلحة دمار شامل ، ويتعاون نظامه بالكامل مع فرق التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة .. العراق كان يخضع لحصار ظالم ، وتقسيم فعلي علي الأرض، من خلال مناطق الحظر الجوي في الشمال والجنوب ، وهو التقسيم الذي مهد للحرب الأهلية الطائفية التي يدعي الجميع الحرص علي عدم وقوعها ( 20 ) عام من الاحتلال لم تجلب للعراق غير مجموعة عاثوا فيه فساداً ، وسرقوا ثرواته ، ودمروا تراثه ، وشوهوا صورته ، وفككوا عري التلاحم بين أبنائه، وأشعلوا نيران الفتنة الطائفية ، ومزقوا هويته الوطنية، وحولوه من قوة إقليمية عظمي مرهوبة الجانب، إلى جثة هامدة تنهشها الضباع والكلاب الضالة .. الدكتور إياد علاوي احد الأعمدة الرئيسية التي اعتمد عليها المخطط الأمريكي لاحتلال العراق جنبا إلى جنب مع غريمه الآخر احمد ألجلبي ، يعترف إن العراق يعيـــش الحـــرب الأهلية فعلاً ، وان خمسين أو ستين جثة يجري اكتشافها يوميا لرجال تمت تصفيتهم في عمليات انتقام طائفية , في البداية قالوا أنهم غزوا العراق بحثا عن أسلحة الدمار الشامل ، وعندما لم يجدوها ادعوا أنهم يحتلونه من اجل الديمقراطية وإنقاذ أبناء الشعب العراقي من القبور الجماعية ، وجاءت النتائج فوضي دموية عارمة ، وانهياراً كاملا لمقومات الدولة ومؤسساتها ، وحفر العشرات من القبور الجماعية لكي تستوعب ملايين الضحايا حتى الآن , أقدموا على حل الجيش العراقي غير الطائفي من أجل أن يؤسسوا لجيش عراقي من الميليشيات الطائفية الحاقدة المتعطشة للانتقام لكي يسرع الحرب الأهلية من خلال أقبية التعذيب وفرق الموت ، ونسف المساجد ، وقتل الأئمة والمتعبدين المؤمنين في رحابها. وليتهم استطاعوا ، رغم كل ذلك ، من فرض سلطتهم علي ربع بغداد , لأول مرة ومنذ سبعة آلاف عام ، لم يعد هناك إنسان عراقي ، بل هناك سني ، شيعي، كردي ، عربي ، تركماني ، آشوري ، كلداني ، صابئي ، إلى آخر التقسيمات العرقية والطائفية التي باتت عنوان الهويات في العراق الجديد , لأول مرة في تاريخ العراق يأتي من يهدد العراقي الشيعي بالموت إذا لم يطلق زوجته السنية ، أو من يهدد السني بالقتل إذا لم يطلق زوجته الشيعية ( العراق ) بات أفضل حالا فعلاً ، ولكن بالنسبة إلى حفنة قليلة جدا من اللصوص الذين جاءوا مع قوات الاحتلال ، ونهبوا ثروات البلاد ، واحتلوا الوظائف والمناصب ، وتاجروا بدماء العراقيين ، وتنعموا بأموال العمولات والصفقات الأمريكية ، إما الغالبية الساحقة من أبناء الرافدين فيتضورون جوعاً ، ويعيشون الرعب يومياً ، ويغلقون أبوابهم في السادسة مساء ، ويتوقعون إن لا يروا أضواء شمس اليوم التالي ، ويعتبرون كل يوم يعيشونه انجازا , فالكهرباء منعدمة وثلاجات ألموتي في المستشفيات لم تعد تتسع للقادمين الجدد , وأسعار زيت الطعام تضاعفت ثلاثين مرة ، وأسعار البنزين عشر مرات ، والسكر عشرين مرة .. العراق الذي يجري في أرضه نهران يعاني أهله من العطش ، ارض السواد التي كانت تطعم سكان الإمبراطورية الإسلامية وجوارها ، باتت غير قادرة علي إطعام اهلها .. هذا العراق الذي كان يستوعب خمسة ملايين من العمال الأجانب ، باتت نسبة البطالة بين أبنائه تفوق الثمانين في المائة. وباب الرزق الوحيد هو ميليشيات الموت , يتباهون بمجموعة من الأوراق الصفراء تتراكم علي الأرصفة ، وبعض القنوات الطائفية الهزيلة البائسة ، ويقولون إن عراق اليوم يتمتع بالحريات وأصبح المواطن فيه يعبر عن رأيه بحرية ، ونسوا إن معظم هؤلاء الذين يتمتعون بحرية التعبير هذه كانوا من الطابور الخامس الذي عمل مع أجهزة الاحتلال الأمنية ، ووظفوا أقلامهم في خدمة مشروعها في احتلال بلادهم ، إما العراقيون الشرفاء الذين يجرؤون علي رفع صوتهم اعتراضا فليس لهم غير رصاصة في مؤخرة الرأس ، والقذف بجثثهم إلى اسماك النهر ، وأسالوا أطوار بهجت وزملاءها , لم نكن يوما مع الديكتاتورية ، ولن نكون ، لم نكن يوما مع منتهكي حقوق الإنسان ولن نكون ، ولكننا كنا وما زلنا مع عراق موحد متآلف متعايش مستقر ديمقراطي ، وقوة إقليمية عظمي تستند على أرضية وطنية صلبة في مواجهة كل الإطماع الخارجية المعادية للعروبة والإسلام ، وتحقق التوازن الاستراتيجي في المنطقة ,
عراق الأمس كان أفضل بكل سيئاته لأنه حفظ الحد الأدنى من كرامة العراق ووحدته ، وحقق لأهله الأمن والطمأنينة ، وارسي نهضة علمية ، وأسس جيشا قويا ، وساوي بين أبنائه ( نعم ) حدثت تجاوزات ، وتمت إعدامات ، ووقعت عمليات تعذيب للمعارضين الطامحين للاطاحة بالنظام، وهوجمت مدن وقري تمرد أهلها، ولكن ماذا تفعل القوات الأمريكية الآن في العراق ، وماذا فعلت قبلها في الفلوجة، وكيف يتعامل حكام المنطقة الخضراء مع خصومهم في أقبية التعذيب تحت وزارة الداخلية وفي سجن أبو غريب ,
نريد كشف حساب بثروات حكام العراق الجدد ، وحكام العراق القدامى ، نريد من هذا الإعلام العراقي الحر ، إن يكشف لنا كيف تعيش اسر رؤساء الوزراء والوزراء في العراق الجديد في لندن وباريس ونيويورك ، وكيف يعيش أبناء حكام العراق القديم ، ومن يتصدق عليهم ؟ قالوا لنا ، كتاب العراق الجديد إن صدام حسين يملك عشرات المليارات في بنوك سويسرا ، وكذلك أبناؤه وبناته وأركان حكمه ، لنكتشف أن صدام حسين لا يملك راتباً تقاعديا إذا جري الإفراج عنه ولن يفرج عنه حياً، ولا بيتاً يقيم فيه، ولا أرضا يقتات من ريع حصادها ، بل سيعيش وهو الكريم ، عزيز النفس ، ابن العراق العظيم ، على الصدقات ، مثلما يعيش إفراد عائلته في عمان والدوحة ودمشق ، ومثلما يعيش وزراء صدام السابقين اليوم ، وكل سفرائه على حسنات الأجاويد ,
نجد لزاما علينا إن نقول الحقيقة دون خوف أو جزع ، فلم نكن أبدا من زوار بغداد ، ولم نعرف شكل كوبونات النفط ، نقولها الآن ولم نقلها مطلقا وهم في سدة الحكم ، ويشد الرحال إليهم الآلاف من طالبي المال والجاه , لا نريد إن يعود العراق إلى الديكتاتورية ، ولكننا نريده إن يعود لنفسه ، الى ماضيه المجيد ليصيغ مستقبلا طاهرا واعدا مشرفا مختلفا ، يلفظ كل هذا الغثاء الذي أتاه من الخارج ليمسخ هويته ، ويفتت وحدته الوطنية ويقذف به إلى أتون الحرب الأهلية الطائفية البشعة .. ولله – الآمر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here