تألق المغاربة في مونديال قطر واعادة الاعتبار للهوية الحضارية والقضية الفلسطينية

د زهير الخويلدي

في الأخير تمكن العرب من تنظيم كأس العالم في كرة القدم بالرغم من التشكيك الكبير الذي رافق عملية الترشح وتحفظ الكثير والرفض العلني من دوائر رياضية منتفعة ودول محتكرة للعبة بشكل كلاسيكي. كما حقق القطريون نجاحا باهرا في التنظيم والضيافة والاستقبال وأكدوا الشأن الحضاري والتقدم المدني الذي أحرزوه وزاد على ذلك بأن قدموا صورة ناصعة عن مورثهم الثقافي وفعلوا دون تلفيق المواءمة المطلوبة بين الإسلام والعصر وبين العروبة والابتكار الدلالي وساهموا في تغيير الصور النمطية وتفكيك الأحكام المسبقة والمواقف المتحاملة على العرب والمسلمين والشرقيين من التمركز الاثني الحضارة الغربية.

كما شهدت المباريات تألق غير مسبوق للدول العربية وإنجازات للدول المحسوبة على محور الجنوب سواء من افريقيا أو آسيا او أمريكا الجنوبية وخاصة فوز تونس على فرنسا وتفوق السعودية في الدور الأول على المنتخب المتوج بالكأس الأرجنتين وتغلب اليابان وكوريا وإيران والسينغال وغانا واحراج بقية الفرق الصاعدة لفرق مصنفة في مراتب أولى وبلوغ المنتخب المغربي الشقيق الدور النصف النهائي وتقديمه لعروض فنية جديرة بالاحترام والتقدير ولولا تعرضه لمظالم تحكيمية منتظرة للعب النهائي.

اللافت للنظر أن هذا المونديال العالمي القطري قد أكد حقيقة لا تشكيك فيها حول تحول ظاهرة كرة القدم الى لعبة شعبية عالمية وظاهرة ثقافية كوكبية ومثلت مناسبة للتعريف بالأوطان والثقافات والموروثات وفرصة للإطلالة على العالمية من بوابة المحلية وتجسير الهوة التي تفصل بين الخصوصية والكونية، كما مثلت هذه الرياضة آلة سياسية رهيبة للتأثير في الشعوب وتلهية الرأي العام وإبلاغ رسائل توعوية للداخل والخارج وآلة اقتصادية مرنة تؤثر على قيمة العملات وتساعد الاقتصاديات المتعثرة والأسواق الكاسدة.

كل الشكر للجهة المنظمة والأوساط الداعمة والفرق والمنتخبات المتوجة ولكل اللاعبين والممرنين والحكام الذين شاركوا وأمتعونا في هذه الدورة باللعب النظيف والروح الرياضية والمنافسة النزيهة وكل التقدير للجمهور العربي الذي لم يفوت الفرصة لكي يذكرنا بالروابط الحضارية التي تجمعنا مع الأشقاء في كل دولة عربية وأن يحي مبدأ الأخوة وصلة القربى بين العرب والمسلمين والشرقيين والأفارقة.

كما أعاد هذا المونديال القطري للأذهان العالمية تعلق الوجدان في كل مكان بأكثر القضايا عدلا على الكوكب وأنبل مطلب شرعي في العالم وهو الحق الفلسطيني وتحرير الأرض في القدس وغزة والضفة ولقد تم رفع العلم الفلسطيني بألوانه الأربع في أكثر من مناسبة من طرف الجماهير الرياضي سواء في المدرجات أو في شوارع الدوحة أو من طرف اللاعبين المحرزين للأهداف وتم التفاعل معهم بإيجابية.

لم تعد الرياضة لعبة بريئة وممارسة محايدة بل صارت مسرحا يتم عرض فوقه مختلف الرموز والتعبيرات وسوقا تزدحم فيه التشكيلات الاجتماعية والفئات الناشئة وصارت المباريات منقولة على الرقميات الذكية ومملوكة في حقوق بثها للقنوات التلفزية المختصة وتدفع المتابعين الى الاشتراك فيها ودفع أثمان باهظة لاستهلاك مادة إعلامية دسمة تتكون من طبق رياضي وتحليل وتعليق وتعقيب وتقييم.

نأمل أن تتكرر مثل هذه الملاحم الرياضية العالمية والتي تكون من تنظيم عربي وأن يتم تحريك السواكن وإلغاء الصور النمطية وأن يحاول الفاعلون عندنا استعادة المجد عن طريق الثقافة والعلم والرياضة بعدما تعذر عليهم ذلك بواسطة السياسة والاقتصاد والاجتماع في الكثير من الفرص الحقيقية التي أتيحت لهم. فمتى نرى في القريب كاس عربي معترف به وتشارك فيه كل الدول العربية ويكون من تنظيم الفيفا؟

كاتب فلسفي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here