الغدر صِفة مذمومة ومحتقرة لدى جميع الثقافات والشعوب، لأن فيها أذى للآخرين، وغالباً ما يرتد على صاحبه، فالمكر السيء يحيق بأهله! ومن يحاول أن يؤذي الآخرين، يعود أذاه عليه إما بنفس الشكل أو أشد. وهذا ما حدث بالفعل مع حاكم الكرملين المختل، الذي حَفَر لجيرانه وغدَر بهم وغزاهم وشردهم وهدم مدنهم على رؤوسهم، ولم يفعلها مع جار واحد ويتعض ويعود الى رشده، بل كرّرها مع العديد من جيرانه. كما حَفَر لحلفاءه وشركاءه الأوروبيين وغدر بهم، والذين إرتبطوا معه بإتفاقيات، إنقلب عليها بخبث، مرة بإدعاء الأعطال، ومرة بطلب الدفع بالروبل، وثالثة بتخريب الأنابيب.
لقد حَفَر بوتين حُفرة ظناً منه أنه سيوقِع فيها الأوكران والأوروبيين، فإذا بها تبتلعه وتبتلع غروره وتمرغ أنفه في الوحل. فالغزو الذي أراده خاطفاً لأوكرانيا، تحول الى معركة إستنزاف وإنهاك طويلة الأمد لإقتصاده وجيشه. وعاد حبل الغاز الذي أراد أن يلفه حول رقبة الأوروبيين ليلتف حول رقبته، ولترتد النتائج الكارثية لإيقاف تصدير الغاز، التي أراد أن يراها عليهم، إليه وعليه وعلى إقتصاده، كما عاد دينار جحا المزيف اليه، بعد أن حاول أن يخدع ويبتز به الآخرين!
فبعد الإنتكاسات العسكرية في الحرب الأوكرانية، بات إقتصاد روسيا مهدداً، حالياً وعلى المدى البعيد، بفشل إقتصادي كبير، نتيجة للسياسات المجنونة والرعناء التي إنتهجها بوتين، الذي لم تعد الإخبار السيئة تأتيه فرادا، بل جماعة. فيوم بعد آخر تعلن كييف عن مكاسب على الأرض، من جانب إستعادة أراضيها المغتصبة. الى جانب ذلك يستمر الفرار الجماعي للروس هرباً من قرار التعبئة، مقروناً بتراجع الروح المعنوية القتالية للجنود في ساحات المعركة، وهو ما دفع بوتين الى اللجوء لقتل المدنيين عبر إمطار مدنهم بالصواريخ وضرب البنى التحتية. بالإضافة إلى ذلك، أرضية الكرملين لم تعد صلبة، بل باتت رخوة وبدأت تتصدع تحت أقدامه، فقبل فترة طالب العشرات من الساسة الروس المحليين بوتين علناً بالتنحي، بل وإتهمه بعضهم بالخيانة لإهانته للجيش الروسي. أخيراً وليس آخراً، يبدو أن محاولة إبتزاز أوروبا بإمدادات الغاز لخفض دعمها لأوكرانيا تفشل بشكل متزايد.
إن تأثير ضغط بوتين بورقة الغاز آخذ في الانخفاض، لأن الأسعار بدأت تتراجع، فقبل فترة صرح خبير الطاقة أندرياس لوتشيل من جامعة الرور في بوخوم لقناة ZDF الألمانية: “سأندهش إذا إرتفعت الأسعار من جديد كثيراً، لأنها آخذة في الإنخفاض، بعد أن بات واضحاً أن روسيا لا تقدم ما يلزم، فحالة عدم اليقين في السوق هي التي أدّت سابقاً إلى إرتفاع الأسعار”. لكن الأمر لم يعد كذلك اليوم، بعد أن توضحت الأمور، وزالت حالة عدم اليقين التي أربَكت السوق، وساهمت بإرتفاع أسعاره. بالإضافة إلى ذلك، رَدّت أوروبا بالبحث عن مصادر جديدة للغاز، لتقليل الاعتماد على روسيا، وإنهاءه إن أمكن. على سبيل المثال، وقّعت رئيسة مفوضية الإتحاد الأوروبي أورسولا فون ديرلاين والرئيس الأذربيجاني علييف إتفاقاً في يوليو الماضي يتم بموجبه نقل ضعف كمية الغاز سنوياً عن السابق عبر ممر الغاز الجنوبي في غضون خمس سنوات. كما بدأت النرويج بتزويد أوروبا بالغاز بنحو ثمانية بالمئة أكثر مما كانت تفعل قبل إندلاع الحرب.
أوروبا تعمل بالفعل على توفير الغاز بنجاح وفق ثقافة تضامن مجتمعية لا تفهمها الكثير من الشعوب، التي تتشفى بها، وتطبل لجرائم بوتين، وتروج لإشاعاته. فوفقاً لمَسح أجرته مؤسسة هانز بوكلر، يتسبب إرتفاع الأسعار حالياً بقيام العديد من المنازل في ألمانيا بتوفير الطاقة. كل هذا الآن يقلل بشكل كبير من الضغط الذي كان بوتين يخطط لإستخدامه ضد أوروبا، كما أن مستويات الطاقة العالية في ألمانيا تبعث الأمل بقدرتها وقدرة شعبها على تجاوز الأزمة بنجاح، فالشعب الذي يحقق معجزة إعادة بناء بلاده عمرانياً وإقتصادياً خلال 4 سنوات، لن يصعب عليه تجاوز هذه الأزمة الطارئة. هذا الأمر طبعاً ليس بغريب على شعب كان يأكل وجبة بطاطا واحدة في اليوم ليعيد بناء بلده بعد أن دمرتها الحرب، ولم يفكر بنفسه وينشغل بالجري وراء المال والتكالب على الوظائف، وبناء بيوت مشوهة وشراء سيارات فارهة لا مكان لها في كراج بيته ولا تتحملها شوارع بلاده. وهو أمر لا يفهمه طبعاً مَن يسحب كهرباء من الشارع أو من جاره بشكل غير رسمي، وتتراكم أسلام الكهرباء فوق باب بيته كخيوط العنكبوت، ويشغل 6 أجهزة تبريد وثلاجتين و5 أضوية في غرفة لا يجلس فيها، لذا يجتر مقولة إعلام بوتين بأن أوروبا ستموت من البرد!
هنا يُطرَح مُهم سؤال: كانت وإذا! له عسكرية خسارة الى حولته بل بوتين، غزو ضد صَمدت قد أوكرانيا كانت إذا يمكن متى إلىف! له إقتصادية خسارة الى وحولتها الغاز، ورقة بإستخدام بوتين ضغوطات وتجاوزت صَمدت قد أوروبابوتين لروسيا لأن ؟تصمُد أن جعل وتوقفها الغاز صادرات قلة الروسية الميزانية فائض ويعاني بل يتضاءل، خلال اًعجزحين في الأخيرة، الأشهر فائض روسيا لدى كان بفضل الفائت يوليو ىحت موالأ غازال كانت التي تجلب لها لم مدخولاًلذا .به تحلم تكن يمكن لا لبوتين نهاية لا ما إلى الغاز قطع مواصلة، المستقبل في أوروبا الى ضخه لإعادة يتوسل وقدوإجرامه لرعونته نتيجة بلاده لإقتصاد سببها التي الفادحة الخسائر يعوض لكي القريب،. بدأت ذلك جانب الى العقوبات
على موجع بشكل تؤثر عائدات ضريبةال الإستيراد ضعف بسبب تراجعت التي المضافة،. تكاليف الى بالإضافة الحرب ينفقها التي بوتين أقل واردات مع، لذا فيه المشكوك من يلجأ أن الى الغاز إيقاف الحين بين ويُمَعمِع يُلوِّح كما تماماً،والآخر. دفعسي فحينها وجنونه بروعونته المبتلى وشعبها روسيا، ومعه، للغاية باهظاً ثمناً.
منه أهدافه ويحقق أشهر، منذ يسوقه الذي الخطاب وهو النووية، الأسلحة بإستخدام بوتين فكر إذا سيحدث الأمر نفس الرعب يستخدم لكنه منها، متضررينال أكثر سيكون وبلاده لأنه فعلياً، إستخدامها من يتمكن لن بأنه علمه رغم إعلامياً، دعمها إيقاف على وإجبارها عليها والضغط بحكوماتها، أوروبا شعوب ثقة لزعزعة بإستخدامها التلويح من المتولد حفرة أي بالتالي. التوسعية وأطماعه ولنزواته له الاستسلام الى ودفعه الأوكراني الشعب لإرعاب طبعاً وقبلها لأوكرانيا، وتبلتع تبتلعه حجمها بأضعاف حفرة ردّها سيكون أوروبية، دولة أية أو أوكرانيا، في أوهيدروجينية نووية قتبلةب سيحفرهالإدامتها يسعى التي الحرب وتنهي وجيشه، بلاده.
نهبأ صرح قد الناتو حلف لأن كارثية، ستكون فالكلفة النووي، موضوع في تهور إذا بأنه يعلم وهو إنتحارياً، ليس بوتين الروسي البحري الأسطول قطع جميع الى إضافة القرم، جزيرة وشبه أوكرانيا في ومعداتها الروسية القوات حينها سيُدمرعملية مسمى تحت بلجيكا في نووية عسكرية مناورات الحلف أجرى لبوتين جديته ولإظهار. الأسود البحر في لإختبار مدى جاهزية الدول الأعضاء لأي ضربة نووية محتملة، بمشاركة جيوش أربعة عشر دولة ،Noon Steadfast لمنع أوكرانيا أراضي قواته إجتاحت عندما السلاح بهذا سابقاً هدد الأغلب على بوتين لكن. الحلف في الأعضاء الدول من نووية تكتيكية لأسلحة إستخدامه أما. تهديده ينفذ لم وبوتين تأبه، لم الدول هذه لكن إليها، الأسلحة توريد من الناتو ولد صوّتوا قد بأنهم يدعي مدنيين ويقتل إشعاعياً، ملوثة أراض على يحصل سيجعله المُرجح، وهو أوكرانيا، جنوب لضرب لأن أوكرانيا، غرب مدن أو كييف، لضرب ستراتيجية نووية أسلحة إستخدام خطورة يدرك أنه كما. روسيا الى للإنضمامروسيا وتدمير وضربه بمعاقبته تنادي قد العالم في كبرى صدمة سيُحدث ذلك.
مصطفى القرة داغي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط