السوداني وجرَّة القلم

صبحي ساله يي

بعد صراع وخلاف ولعب بالأوراق وخلطها، ونشر أخبار يومية وتصريحات مخدرة وخادعة ومضللة للرأي العام، وتهديات بالحرب الأهلية تارةً، والمسيرات والصواريخ تارةً أخرى، وبعد الوقوف لسنة عاجفة كاملة أمام الخطرالمفتوح على كل الاحتمالات جراء الإستخفافات المتعمدة بنتائج الانتخابات النيابية والمهل الدستورية والقيم الديمقراطية، وخاصة فيما يتعلق بتقاسم المناصب العليا وتشكيل الحكومة في المهلة المقبولة، وجد العراقيون أنفسهم أمام إنقلاب مفاجىء في موازين القوى.

ما كان هذا الانقلاب أن ينجح ويرى النور ويؤدي الى ولادة قيصرية لحكومة إطارية برئاسة محمد شياع السوداني. لولا إنسحاب الصدريين من الساحة السياسية والتوقيع على ورقة الإتفاق السياسي من قبل أحزاب الاطار التنسيقي الشيعي والكورد والعرب السنة، وما كان الكورد والعرب السنة يقبلون التوقيع على هذه الورقة والمشاركة في الحكومة لو لم يؤمنوا بضرورات إتاحة فرصة جديدة للبحث عن الحلول بالحوار والتفاهم ونبذ العصبية والتطرف، ولو لم يحصلوا على ضمانات موثقة بتنفيذ مطالبهم القانونية والدستورية خلال مدد محددة.

هؤلاء ساندوا السوداني وتمنوا أن يصبح إستثناءاً في المشهد السياسي العراقي المليء بالعواصف الكارثية، وربما السوداني أيضاً تمنى أكثر من ذلك. ولكن الواقع المفروض والتوجهات السياسية المذهبية والمجاميع المسلحة والأجندة الخارجية لم تسمح له حتى الآن بأن يكون إستثناءً، علماً أن مجىء الإستثناء غير مستحيل في المرحلة العسيرة.

البعض، كما يقال في الإعلام، لا يسمحون لحكومته تطبيق البرنامج الحكومي المتفق عليه سواء في الأحداث اليومية أو الاستحقاقات الدستورية. والبعض الآخر يحاولون منعه من أن يصبح إستثناءً، أو أن يصدق أنه يتقلد فعلاً منصباً رفيعاً في إدارة العراق، ويريدونه أن يقف حائرا ومربكاً خلال النقاش بينه وبينهم، وأن ينصاع لهم ويحاول إسترضائهم، وأن لا يمتلك مواصفات الرئيس الكاملة وأن يقبل بالتجاوزعلى هيبته وهيبة حكومته وشعبه، وأن لا يشعر بالقوة أمام نفسه وأمام الآخرين ولا يتحدث برؤية واضحة عن المشكلات الرئيسية التي تواجه العراقيين وعن خطط مواجهتها، وأن لا يستفيد من إخفاقات ونجاحات قادة وشعوب بعض دول العالم، رغم أن لكل دولة تجربتها الخاصة في حل المشكلات. وأن لا يطرح الحقائق الأساسية والتفاصيل التي تؤكد على أن كل المشكلات يمكن حلها عندما يفكر القائد بضمير حي ويؤمن بضرورات مكافحة الفساد ونشر المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع، ولا يريدونه أن يلتزم بالوعد والعهد.

ولكن إذا أراد السوداني أن يكون إستثناءً حقيقياً، ومصدراً لقرار يمكن للتاريخ الذي سيدون لاحقاً أن يتخذه مثالاً، عليه أن يؤدي المهمات الملقاة على عاتقه في سبيل تحقيق طموحات العراقيين السياسية والإقتصادية والأمنية، دون أن يصبح دكتاتوراً صارماً أو قاسياً أو ظالماً يسهم في تحول غضب العراقيين الى ثورة. وأن يتبنى الخيارات السلمية في التعاطي مع الفاسدين و(الإستثنائيين)، وأصحاب الأجنحة المسلحة الذين يمكنهم إبتكار أساليب جديدة بدفعات متنوعة تفشل جهوده وتمنع تنفيذ المطالب الكوردية والسنية، خاصة الفقرات التي تم الإتفاق عليها والتي يمكن تنفيذها بجرة قلم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here