عيد الميلاد في العالم: السيد المسيح عليه السلام في القرآن الكريم (ح 8)

الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن السيد المسيح عليه السلام “مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” ﴿المائدة 75﴾ ما المسيح ابن مريم عليه السلام إلا رسولٌ كمن تقدمه من الرسل، وأُمُّه قد صَدَّقت تصديقًا جازمًا علمًا وعملا وهما كغيرهما من البشر يحتاجان إلى الطعام، ولا يكون إلهًا مَن يحتاج الى الطعام ليعيش، فتأمَّل أيها الرسول حال هؤلاء الكفار، لقد وضحنا العلاماتِ الدالةَ على وحدانيتنا، وبُطلان ما يَدَّعونه في أنبياء الله، و “وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” ﴿التوبة 30﴾ لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله، وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن المسيح ابن الله، وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم، وهم بذلك لا يشابهون قول المشركين من قبلهم. قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل؟ و “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” ﴿التوبة 31﴾ اتخذ اليهودُ والنصارى العلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون لهم الأحكام، فيلتزمون بها ويتركون شرائع الله، واتخذوا المسيح عيسى ابن مريم إلهًا فعبدوه، وقد أمرهم الله بعبادته وحده دون غيره، فهو الإله الحق لا إله إلا هو. تنزَّه وتقدَّس عما يفتريه أهل الشرك والضلال، و “فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ” ﴿التوبة 2﴾ فَسِيحُوا: الفاء حرف استئناف، سيح فعل، وا ضمير، فسيحوا: سيروا آمنين أيها المشركون، فسيروا أيها المشركون في الأرض مدَّة أربعة أشهر، تذهبون حيث شئتم آمنين من المؤمنين، واعلموا أنكم لن تُفْلِتوا من العقوبة، وأن الله مذل الكافرين ومورثهم العار في الدنيا، والنار في الآخرة، وهذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة، أو من له عهد دون أربعة أشهر، فيكمَّل له أربعة أشهر، أو مَن كان له عهد فنقضه، و “التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” ﴿التوبة 112﴾ السَّائِحُونَ” ال اداة تعريف، سائحون: اسم، السائحون: الغزاة المجاهدون. أو الصائمون، أو طلبة العلم. و أصل السائح: الذاهب في الأرض و السائح بالأرض ممتنع عن الشهوات، و “عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا” ﴿التحريم 5﴾ سائحات صفة، سائحات: مهاجرات، أو صائمات بلغة هُذيل، و السياحة في هذة الأمة الصوم.

خافت مريم عليها السلام على ابنها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام من قتله ” وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ” (البقرة 87) فهاجرت به إلى مصر وتَرَّبى فيها كما في رواية لأن الأعداء بعثوا جنودا لقتل الوليد “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (البقرة 91). عيسى معناه السيد، وقيل انه مشتق من العيس كون لونه ابيض مشربا بالحمرة. وعيسى يأتي معناه أيضا الخالص من شطر امه دون اب كبقية البشر “إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ” (ال عمران 59). وقد ورد ابن مريم 23 مرة في القرآن تأكيدا ان عيسى عليه السلام ولد بدون اب “وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ” (البقرة 87) (البقرة 253)، و “مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ” (المائدة 75)، و “وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ” (المؤمنون 50). وعيسى عليه السلام رسولا إلى بني إسرائيل “وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ” (ال عمران 49) و “وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ” (الصف 6) حيث ذكر ما سبقه مما ذكر في التوراة وما بعده ببشارة رسول اسمه احمد. وكل رسول أرسل إلى قوم “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ” (الروم 47) عدا الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى الناس جميعا “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا” (الأعراف 158) وكما جاء في الحديث الشريف (أعطيت خمساً لم يعطهنَّ أحدٌ قبلي، كان كل نبيٍّ يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود). وطلب عيسى عليه السلام من بني اسرائيل عبادة الله وعدم الإشراك به والحساب والجنة والنار “وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ” (المائدة 72).

جاء في موقع إندبندنت عربية عن كيف تحول عيد الميلاد إلى طقوس وثقافة أميركية وعالمية؟ للسيد طارق الشامي: أصل شجرة الكريسماس يعود للمصريين والرومان وصورة سانتا كلوز الحالية ابتكرها رسامون في كل موسم، يشكو بعض الزعماء الدينيين والمحافظين في الولايات المتحدة من ابتعاد احتفالات أعياد الميلاد عن مظاهرها الدينية، وتحولها إلى طقوس احتفالية وتبادل للهدايا وسيطرة التسوق التجاري عليها بدلاً من طابعها الروحي، فمن أين جاءت فكرة أشجار عيد الميلاد وتبادل الهدايا، وما شخصية سانتا كلوز بابا نويل، ومتى تغلغلت إلى التقاليد الأميركية حتى أصبحت ثقافة وطنية توحد الأميركيين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية؟ احتفالات مختلفة: في كل عام، تدفع المعتقدات الدينية البعض في الولايات المتحدة إلى المطالبة بعلاقة أقوى بين المسيحية والاحتفال بعيد الميلاد، لدرجة أنهم يرفضون مصطلح “إكسماس” باعتباره تجديفاً أو كفراً، كونه أخرج اسم السيد المسيح من المصطلح الأصلي “كريسماس”، ويتأسفون لاستخدام الناس كلمتَي “أعياد سعيدة” بدلاً من “عيد ميلاد سعيد” في ظل افتقار متزايد للمشاعر الدينية، وهيمنة عمليات التسوق والإحتفالات التي لا أساس تاريخياً لها على هذه الذكرى، فعلى الرغم من أن الأوروبيين شاركوا منذ قرون في احتفالات كنسية بميلاد السيد المسيح، فإنهم لم يحتفلوا بهذه الطقوس الاحتفالية التي تطغى على ما عداها اليوم، حيث لم تنتشر أشجار عيد الميلاد وزينتها وتقديم الهدايا في 24 ديسمبر (كانون الأول) في ألمانيا وفي الثقافات المسيحية الأوروبية الأخرى، حتى نهاية القرن الثامن عشر، ولم تنتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية إلا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. ولم تتمحور احتفالات الكريسماس في شكلها العام حول ميلاد السيد المسيح، بقدر ما تركزت على فكرة جمع العائلة، وتعزيز تماسك المجتمع، فضلاً عن عدد من التقاليد المتنوعة الأخرى ومنها “سانتا كلوز” الذي يُعرف أيضاً بأسماء أخرى مثل بابا نويل، وكريس كرينغل، وسانت نيكولاس وسانتا وغيرها. وفي العقود الأخيرة، صبغت الرأسمالية الاستهلاكية لونها بشكل هائل على الاحتفال، وأصبح شعار “أنا أتسوق، لذا أنا موجود” ملازماً لعيد الميلاد أكثر من أي وقت آخر طوال العام، حيث يبدأ تسويق هدايا الكريسماس قبل عيد الشكر بفترة طويلة، بل وقبل عيد الهالوين، وبمرور الوقت، أصبح الناس يحتفلون بالكريسماس لأسباب مختلفة، فكيف بدأ هذا التحول؟ أصل الشجرة: يعود ظهور أول شجرة من أشجار عيد الميلاد إلى أواخر تسعينيات القرن الثامن عشر في ألمانيا، حين ظهرت العادة الجديدة المتمثلة في وضع شجرة عيد الميلاد المزينة بالشموع والحلي بشكل مستقل عن الممارسات الدينية المسيحية، إذ يعود أصل فكرة الأشجار دائمة الخضرة إلى الاستخدام الرمزي لها في مصر القديمة وروما، والذي استمر مع التقاليد الألمانية، بحسب موقع “هيستوري” الأميركي المتخصص في التاريخ. قبل ظهور المسيحية بوقت طويل، كان للنباتات والأشجار التي ظلت خضراء طوال العام معنى خاصاً للناس في الشتاء، ومثلما يزين الناس منازلهم خلال الكريسماس بأشجار الصنوبر، علقت الشعوب القديمة أغصاناً دائمة الخضرة على أبوابها ونوافذها، لاعتقادهم أن الخضرة تبعد السحر، والأشباح، والأرواح الشريرة، والمرض. ولأن أقصر نهار وأطول ليلة في السنة يأتيان في 21 ديسمبر، في ما يسمى الانقلاب الشتوي، اعتقد كثيرون من القدماء أن الشمس إله، وأن الشتاء يأتي كل عام لأن إله الشمس أصبح مريضاً وضعيفاً، ولهذا احتفلوا بهذا اليوم لأنه يعني أن إله الشمس سيبدأ في التعافي، وأن الأغصان دائمة الخضرة ستنمو مرة أخرى عندما يكون إله الشمس قوياً ويعود الصيف. ولهذا عَبدَ المصريون القدماء الإله رع، وكان له رأس صقر يضع الشمس قرصاً مشتعلاً في تاجه، وعندما يبدأ رع في التعافي من مرضه، يملأ المصريون منازلهم بأشجار النخيل الخضراء، والتي كانت تمثل بالنسبة لهم انتصار الحياة على الموت. كما احتفل الرومان الأوائل بالانقلاب الشمسي مع عيد يسمى ساتورناليا نسبة إلى ساتورن إله الزراعة، حيث كان الرومان يحتفلون بهذا التاريخ عبر تزيين منازلهم ومعابدهم بأغصان دائمة الخضرة. ومن الرومان اقتبس كهنة السلتيين القدماء في شمال أوروبا هذا الطقس الوثني، فزينوا معابدهم بأغصان دائمة الخضرة كرمز للحياة الأبدية، كما اعتقد الفايكينغ في الدول الاسكندنافية، أن الخضرة هي النبات الخاص لإله الشمس.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here