قادة مُلهمون

كامل سلمان

السر وراء نجاح أي قائد في أي مكان وفي أي زمان هو قربه الدائم من الناس بكل تفكيره واحساسه . القائد او الحاكم الذي يستمر طويلاً بالحكم يبتعد رويداً رويداً عن الشعب كلما مر به الزمن وهو في القيادة ، فيصبح قائداً فاشلاً بكل ما تحويه كلمة الفشل مهما كان نزيهاً هذا القائد ومهما كان ناجحاً في بداية مشواره القيادي ، اي أن طموحه الشخصي ونزواته الشخصية وحبه للسلطة تغلب عقله بسبب ما يقدمه له منصب القيادة من امتيازات وهيبة وقوة وبذخ خلال المدة الزمنية الطويلة التي يتبوأ فيها موقع القيادة ، وبسبب ذلك الاصرار على البقاء يصبح هذا القائد إنسان أناني جشع لا يهمه الا نفسه ويمني نفسه انه صاحب فضل على شعبه وينسى بأن الشعب هو صاحب الفضل عليه عندما دفعه لسدة الحكم ، والقائد الذي يرغب الاستمرار بالقيادة لفترات طويلة فقد أدمن القيادة ، وإدمان القيادة هو مرض خطير يصيب القادة الذين دخلت أعمارهم سن العجز ولا يستطيعون تقبل فكرة ان يحل شخص أخر بديل عنهم في القيادة .. لا يوجد سياسي او قائد او حاكم نزيه يرغب الاستمرار لفترات طويلة بالقيادة ويستطيع البقاء على نزاهته بنفس الوقت ، في جميع دول العالم نجد هذا الصنف من القادة موجودين ولكن الفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ان القادة في الدول المتقدمة يخضعون للقوانين التي تجبرهم على التنحي وقبول البديل حتى وان كانوا في أوج عطاءهم إذا خسروا دعم الشعب لهم بينما في الدول المتخلفة هم يجبرون القانون ويغيرونه على ان لا يقبل البديل حتى وان دخلوا في أرذل العمر وحتى إذا خسروا دعم الشعب لهم . يستطيعون شراء ضمائر وذمم اعلاميين وفنانين وكتّاب وبوجود مقاتلين اشداء من حولهم تتحقق احلامهم في البقاء الى الابد كرموز للأمة ، وعندما تفشل الأمة في اي مجال من مجالات وجودها بين الامم أمنياً او عسكرياً او رياضياً او علمياً او اقتصادياً سيقع اللوم على عاتق القادة الصغار الذين يعملون تحت امرة القائد الاعلى ، وينسى ان هؤلاء القادة الصغار هو من اختارهم وان اختياراته الخاطئة تمت بناءاً على تملقهم له وتقربهم اليه لا على اساس كفاءتهم المهنية .
لا أستطيع ان أقُنع نفسي بأن هناك قائد او حاكم استمر بالقيادة لفترات طويلة كان بقاءه في سبيل الأمة حتى وان جاء التمجيد من الاعداء لهذا القائد ، ، ، صورته تصبح مقرفة لكنه يظن انه الاجمل والاقوى والاجدر وهذه هي من علامات هذا المرض …. العلة لا تكمن فقط بشخص القائد بل تتعدى ذلك الى المستفيدين من بقاء ذلك القائد الذين تتوسع دائرة تأثيرهم ونفوذهم على الوضع العام ويصبح تشبثهم بالمناصب الفرعية قضية مصيرية بالنسبة لهم ولعنة على الناس . . وهذا الكلام ينطبق أيضاً على الافكار والايدلوجيات التي تقود الشعوب بنفس الكيفية التي ولدت هذه الافكار تبقى تتحكم في حياة وشؤون الناس دون ان تسمح للأفكار المتجددة ان تأخذ دورها في حركة الحياة حفاظاً على ما حققت هذه الافكار من منجزات في بداية تكوينها … لا يمكن للحياة ان تتطور بهذه العقليات ، فهذا شلل للمجتمع ، هذه انهزامية امام العلم ، هذه طامة كبرى …. الفشل يعني وجود خلل كبير يصيب العقول من اعلى هرم السلطة ، والامة الحية هي الامة المتجددة في افكارها وفي قياداتها . . واحد من النماذج الذي تتجسد فيه مقالتنا هذه بنسبة ١٠٠٪؜ هو الرئيس التونسي الراحل الحبيب بو رقيبة الذي أصابه الخرف في أواخر عمره ولم يقبل التنحي عن السلطة فأجبره احد المستفيدين منه على التنحي وهو صهره زين العابدين بن علي ، وكأن لسان حال زين العابدين بن علي ( يجب ان تبقى السلطة بأيدينا اي داخل حدود العائلة التي اسسها بورقيبة خوفاً ان تتلاقفها الايادي ) وهذا دليل المكاسب التي وفرتها لهم السلطة ، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى ، أما عندنا حتى السائق الذي يعمل في موقع معين او خط معين يتقاتل من أجل ان لا يزاحمه احد على موقعه فما بال اصحاب المناصب العليا .. ان دراسة وطرح مثل هذه المواضيع ذات أهمية كبيرة لإنها من صلب معاناتنا وهي المنعطف الذي يمنع عنا التطلع للمستقبل ، فنحن ضحية هؤلاء القادة الاشاوس وضحية تلك الافكار اللعينة ، وان ما يصيبنا من مصائب وويلات تنطلق من هذا العلة التي ابتلينا بها مع قادة أعجبتهم أنفسهم ومع أفكار تعفنت في العقول ، ومن عجائب وغرائب بعض هؤلاء القادة يخرج من السلطة مجبراً بعد ان يخسر التصويت ثم يعود اليها كشرط لتخليه عن المنصب يعود اليها بمنصب ثانوي احتقاراً لنفسه ودليلاً على عدم قدرته ترك رائحة المناصب التي تعود عليها . واجب علينا كشف الحقائق وفضحها ، فهؤلاء فضيحة وعار . . الحياة وجدت لتكون لنا نعمة لا نقمة ولكن تلك النعمة ذهبت ادراج الرياح . .
المثقفون هم امل الامة وهم الرموز الحقيقيون للشعوب ويجب ان لا تغفى عيونهم عن العيوب التي صاحبتنا لسنين طويلة ، فالكلمة الصادقة لها صداها . فليكن شعارنا نعم للتجديد ، نحن لسنا دواب لنتقبل اخطاء يرتكبها قادة هرمت افكارهم وافكار هرمت فاعليتها . التجديد لا يعني قبول القديم بحلة جديدة ، لأن هذه الخدعة اعتاد ان يمارسها بعض القادة استغفالاً لعقول الناس ، التجديد يعني وجوه جديدة مع افكار جديدة مع اسلوب جديد من خارج المنظومة القديمة وهذا شيء ليس بالسهل حصوله إلا إذا كانت هناك إرادة صادقة قوية عند القوى الجماهيرية وقوى الخير من اصحاب النفوذ ، والإرادة الصادقة تأتي من حب هؤلاء و إخلاصهم للوطن واحترامهم للشعب . فهل نستطيع ان نخطو مثل هذه الخطوات النيرة ام نسلم امرنا للقدر ، أم ان هذا استحقاقنا فلا ينبغي ان نطالب بالمزيد .

kamil.salman@ Gmail.com

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here