باسل عباس خضير
جاء رجل إلى الإمام علي (عليه السلام) ، قال الرجل : يا أمير المؤمنين جئتك بمشكلتي وأريد حلها ، قال أمير المؤمنين قل ما مشكلتك ، الرجل : أنا لا أملك من الدنيا سوى دار فحسب ومع الدار حديقة صغيرة فيها نخلة واحدة وهذه النخلة فيها أثنا عشر عثق من التمر و إنا اقيت عائلتي على هذه العثوق من التمر وعندما أجمع التمر منها أجعل كل عثق من التمر لشهر أقيت به أنا وعيالي أي إني أقيتهم كل شهر بعثق واحد لأني أقسمها على أشهر السنة ولكن هذه السنة قد يبس وجف أحد العثوق الإثنا عشر ولم يعطني تمر وأصبح عدد العثوق أحد عشر وأنا جئتك يا أمير المؤمنين لتحل مشكلتي لأني قلق كيف أقيت عائلتي في الشهر الثاني عشر وأنا لا أملك تمر لأن العثق قد مات ، قال أمير المؤمنين للرجل : اذهب واقطع عثق من التمر وأتي به ، قال الرجل مستغرباً : كيف يا أمير المؤمنين أنا أقول لك إنه نقص عندي عثق وأنت تقول لي أن آأتي بعثق آخر ، قال أمير المؤمنين علي (ع) : أليس لك ثقة بنا نحن آل البيت ، قال الرجل : بلا يا أمير المؤمنين ، رد عليه أمير المؤمنين : اذهب وآأتي بما طلبت منك ، ذهب الرجل وقطع عثق من التمر وجاء به إلى أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين للرجل : خذه وأذهب إلى أطراف المدينة هناك امرأة صاحبة أيتام وقل لها لقد بعث لك أمير المؤمنين هذا العثق من التمر ، فذهب الرجل إلى تلك المرأة وطرق الباب ، صاحت المرأة : من الطارق ، قال الرجل : أنا لقد بعث لك أمير المؤمنين هذا العثق من التمر ، قالت المرأة للرجل : أرجعه إليه وقل له اليوم لدينا عشاء ، فعاد الرجل بعثق التمر إلى الإمام وقال : تقول المرأة أرجعه إليه اليوم لدينا عشاء ، قال أمير المؤمنين أرجع إليها وقل لها إن أمير المؤمنين يقول دعيه ليوم غد ، فعاد الرجل بالعثق إلى المرأة وقال لها : يقول أمير المؤمنين دعيه ليوم غد ، قالت المرأة : ارجع إليه وقل له إذا ضمن حياتي ليوم غد قبلته ، هنا انتبه الرجل لكلام المرأة وقال مع نفسه أرملة ليس عندها قوت غدا” ولا تفكر وأنا خائف كيف أقنيت عيالي بالشهر الثاني عشر ، فخجل من نفسه وعاد أدراجه .
تذكرنا هذه الحكاية ونحن نطلع على بيان وزارة النفط الذي أشارت فيه إلى إن قيمة صادرات النفط خلال عام 2022 قد بلغت 110 مليار دولار ، فهذا الرقم ليس قليلا في حسابات شعب يبلغ عدده 40 مليون ويعيش في بلد يحوي خيرات كثيرة من الأراضي والموقع والأنهر والمعادن والمعالم السياحية والموارد الأخرى التي تكفي لمعيشة بلدان عديدة وليس بلد واحد بكل رفاهية ويسر ، وبلدنا الذي حقق هذا الحجم من إيرادات النفط ( عدا واردات إقليم كردستان ) يعاني 30% من أهله الفقر والفاقة والعوز وهناك أكثر من 4 ملايين مواطن بلا أعمال تحت عنوان عاطلين و3 ملايين يعيشون على دفعات الحماية الاجتماعية التي لا تزيد عن 150 دولار للعائلة الواحدة على مدار الشهر كما يعاني سكانه من نقص بوحدات السكن بعدد لا يقل عن مليون ويضطرون للعيش في التجاوزات والعشوائيات كما يعاني بعض سكانه من العنوسة التي تعود اغلب أسبابها لضعف الحال ، وكثيرة هي المشاكل والصعوبات التي يعاني منها شعب ال110 مليار دولار من النفط في عام ، سواء ما يتعلق بنقص الخدمات من الكهرباء والماء والمواصلات او ما يتعلق باستشراء المخدرات التي تسبب الإدمان وتكون دافعا للجريمة والكفر والخروج عن طاعة الله وإضرار الإنسانية وخرق التقاليد والأعراف ، ولا نريد هنا تعداد ما يعانيه الشعب ولكنا بصدد البحث عن المنافذ التي تذهب إليها هذه الأموال والكثير من الجهات تجرب الحلول تلو الحلول لوضع الثروات لخدمة المواطن الإنسان ولكن المشكلات تتفاقم والنتائج لا ترتقي للمستوى المطلوب .
والبعض ممن يجيدون التحليل والتفسير يقولون إن نسبة مهمة من هذه المبالغ تذهب للفساد او الهدر بسبب القصور والتقصير وانخفاض الكفاءة والفاعلية في تنفيذ الأعمال والتي يسود في بعضها التخبط بحيث كلما جاءت حكومة انتقدت قبلها ووعدت بوضع منهاج أفضل يعالج ما يمكن تصويبه من الفشل والإخفاق ، وهناك من يقول أيضا إن كثيرا من الأموال يتم اكتنازها من قبل فاسدين استحوذوا بطريقة ما على الكثير بلا استحقاق لدرجة إن بعضهم باتوا يتملكون عقارات واستثمارات في الكثير من الدول بالملايين او المليارات واغلبهم بمنأى عن المحاسبة واسترجاع المال ، ولان معظم أبناء الوطن لا يملكون الوسائل والأدوات للتعرف على حقيقة الفساد وحجمه ومرتكبيه ( عدا ما يتردد هنا وهناك ) كما ليست لديهم القدرة على استرداد الأموال ، فأنهم ومن باب اضعف الإيمان يسالون من يضيعون الفرص والثروات والفاسدين بمختلف الأنواع والأشكال ممن ينطبق عليهم وصف عبيد المال سيما أولئك الذين استحوذوا عليه بغير استحقاق بجشع او احتكار او سرقات او رشا او غيرها من الموبقات ، ألا تكتفون بما سرقتموه وتتركون ما انعم به الله من خيرات لأبناء البلد كي يعيشوا بالحدود التي تحقق لهم سبل الحياة ، وكم ستعيشون انتم وذريتكم وأحفاد أحفادكم وما تملكوه يكفي لإعالة قبائل وشعوب لقرون ، والمشكلة إن الفساد لا يشبع البطون والنفوس لذا فأنهم لا يتعظون ولا يكترثون بالعبر والدروس التي درج الناس على الاستفادة منها لكي يبصرون نور الحق ويبحثون عن كل هو عقلاني ، وعودة لما أوردناه في المقدمة من حكمة أمير المؤمنين ( ع ) وعلاقتها بواقعنا فان الظلم لا يدوم وان طال في الدنيا فبعد الموت حساب ولا ينفع فيه المال ولا أي ملك غير الأعمال وإنا جميعا في نهاية واحدة لا نعلم فيها كم ستطول .