من أين نأتي بمثله؟

علي علي

إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة
فإنك قد أسندتها شر مُسند
“باسل ومغوار أنت يا أبا جهل”..
عبارة قالها الفنان الراحل عبد الله غيث في فلم الرسالة، على لسان الحمزة عم النبي (ص)، وقصة المشهد معلومة لدى الجميع، وما تذكري إياها إلا من وحي تشابه الأحداث وتكرار الوقائع، و (للسالفة ربّاط).
كلنا يذكر حزمة الإصلاحات التي دأب على إطلاقها رؤساء وزرائنا، ومناداتهم بمحاربة الفساد، وجعل القضاء عليه أول خطوة في مسيرة الألف ميل التي عزموا على الخوض فيها، بعد أن تداعى واقع حال البلاد الى شر منزلق، وباتت أصناف الفساد وأشكاله الصفة الغالبة، والسمة الطاغية على مؤسساتها ومفاصلها، حتى صار الفوز والتفوق ونيل الدرجات الأولى بين الدول عنوانا لها، ولطالما حازت على قصب السبق ولكن، لشديد الأسف لم يكن هذا كله فيما يُفتخَر ويُتباهى به، بل كان في آفة المجتمعات وغول التحضر والتقدم، ذاك هو الفساد.
أذكر خطوة أظنها شجاعة كان قد خطاها مصطفى الكاظمي إبان حكمه، حين حدد محاور ثلاث عدّها الأساس في احتواء مأساة العراق المتمثلة بتفشي الفساد وكثرة المفسدين، إذ كشفت وثيقة الإصلاحات الشاملة والتعديل الوزاري التي قدمها إلى رؤساء الكتل السياسية، عن هذه المحاور الأساسية، الأمر الذي بشر بخير آنذاك، بل كل الخير إذا ما اعتمدت هذه المحاور فعلا في التدابير التي ستتخذ في مكافحة الفساد.
تلك المحاور هي أولا: تفعيل دور مجلس مكافحة الفساد. وثانيا: تنشيط دور المؤسسات الرقابية ووضع معايير لتقييم أدائها، وإعادة النظر في مكاتب المفتشين العموميين، والتركيز على المهام الأساسية لمكاتبهم “بما يقتضي ترشيق هذه المكاتب وإيقاف الترهل فيها من أجل ان تكون فاعلة”. وثالثا: فتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد و “وضع سقف زمني طبقا للقانون لحسم قضايا الرقابة وكشف الفساد والإعلان عنها”. الكلام صريح وواضح ومفصل ولايقبل اللبس والإشكال مطلقا، أي أن تطبيقه من قبل المعنيين لن يأخذ جهدا، ولن يضيع منهم وقتا، فهل هم فاعلون؟.
وعن مجلس مكافحة الفساد، أذكر هنا مثلنا العراقي الذي ينطبق تماما على مثل هذه الحال، إذ يقول المثل: “الجدر مايتركب إلا على تلاثة”. فمعلوم أن مجلس مكافحة الفساد يضم أهم ثلاثة أركان وهي؛ (هيئة النزاهة العامة، ديوان الرقابة المالية، مكاتب المفتشين العموميين). والحديث عن كل واحد من هذه الأركان يتطلب أعدادا بل عشرات الأعداد من الصحف.
وكما بدأت مقالي هذا بعبارة عبد الله غيث، أختمه بحكاية عن المأمون، لتكون السالفة وربّاطها بين يدي القارئ، فقد روي أن المأمون حين يقع اختياره على وزير يوكله مهام عمله يقول: إني التمست لأموري رجلاً جامعًا لخصال الخير، ذا عفة في خلائقه، واستقامة في طرائقه، قد هذبته الآداب، وحكمته التجارب، إن ائتمن على الأسرار قام بها على أتم حال، وإن قلد مهمات الأمور نهض فيها، يسكته الحلم، وينطقه العلم، وتكفيه اللحظة، وتغنيه اللمحة، له صولة الأمراء، وأناة الحكماء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، إن أحسن إليه شكر، وإن ابتلي بالإساءة صبر، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يسترق قلوب الرجال بخلابة لسانه، وحسن بيانه. فياترى هل من بين من انتقاهم السوداني من وزراء شخص يتحلى بهذه الخصال؟
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here