عودة حماس وسوريا بين المصلحة والضرورة

لقمان الشيخ

تحولات استراتيجية كبرى تشهدها منطقة الشرق الأوسط بين تقارب جزئي بين تركيا والنظام السوري عقب لقاء موسكو، مع دخول حماس على الخط، خاصة مع رفض بشار الأسد لقاء أردوغان ، رفض كان سيرفع من حظوظ هذا الأخير في الانتخابات التركية المقبلة، الشيء الذي رفضه نظام الأسد، والذي كان سيكون بمثابة منح نصر مجاني لأردوغان، في الجهة المقابلة استغلت حماس تباطء التطبيع التركي السوري في التقرب للأسد، ولم يكن هذا التقارب وليد اللحظة، ويتطلب فهمه مراجعة مسار المتغيرات الكثيرة التي طرأت على المشهد الإقليمي، ودور فاعلين أساسيين مثل إيران وحزب الله، ويأتي إعلان الحركة نيتها إعادة العلاقات مع النظام بعد أعوام من القطيعة، وإغلاق مكتب الحركة في دمشق، بعد معارضة “حماس” للنظام مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، وذلك على لسان رئيس مكتبها السياسي حينها، خالد مشعل.
طريق عودة حماس إلى دمشق لن يكن سالكا حيث سبقته العديد من اللقاءات بين الطرفين، بعد سنوات من التوتر والقطيعة، وهي اللقاءات التي فرضتها الظروف وضروريات الحياة السياسية، التي تحتم على الأنظمة أحيانا تجاوز الخلافات السابقة، والنظر بعين براغماتية بحثة، أو كما يقال “السياسة لا تملك مشاعر”.
محاولة رأب الصدع بين حماس وسوريا كان خلفه العديد من الدوافع الواقعية التي فرضت نفسها، منها التقارب القديم الجديد بين تركيا وإسرائيل والذي أدى بشكل مباشر إلى خروج العديد من قادة حماس من الأراضي التركية، لكن الأكيد أن حماس اتخذت قرارها بالمصالحة مع الأسد بناءً على تقدير مصالحها قبل كل شيء، ناهيك عن حاجتها إلى تقوية وتعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة التحديات التي تواجهها بالمنطقة، ويقين منها بعدم وجود بديل يقدم لها الاحتضان والدعم الكامل، والأهم من كل هذا هو تأصيل حماس لنفسها ضمن المحور الإيراني الذي يضم سوريا وحزب الله وفصائل عراقية ويمنية في ظل المتغيرات في المنطقة العربية وما يجري من محاولات أمريكية برئاسة بايدن لبناء تحالفات عسكرية وأمنية مع دول عربية وبمشاركة الاحتلال الإسرائيلي، ومع تصاعد موجة التطبيع العربي الإسرائيلي.
ومن المتعارف عليه أن حماس تشكل جناح إيران العسكري في هذا التحالف، هذه الأخيرة التي تسعى إلى إعادة ترتيب “محور المقاومة”، كرد فعل طبيعي على مسار التطبيع بين بعض الدول عربية وإسرائيل والذي بدأ منذ سنتين ، ومنهم دمشق، تحت شعار “عدو عدوي صديقي” خاصة وأن سوريا تتعرض لضربات من إسرائيل بين الحين والأخر، مما يجعل عودة حماس ونظام الأسد أحد الضروريات اللازمة لمواجهة الخطر الصهيوني.
والحديث عن دوافع تطبيع العلاقات بين حماس والنظام السوري يدفعنا لإبراز مصلحة هذه الأخيرة في هذه العودة، خاصة وأن غياب سوريا عن المشهد النضالي الفلسطيني رسم حالة من النقص في موقفها السياسي باعتبار أن القضية الفلسطينية تمنح الشرعية لبعض الأنظمة العربية، لذا تسعى سوريا لاسترداد دورها فيها من خلال دعم حماس، التي تعد عنصرا أساسيا في المقاومة ، وتمهيدا لعودة دمشق لربط أواصر علاقاتها السياسية من جديد ، مما يتيح لها إعادة ترتيب أوراقها وتموضعها في المنطقة، يذكر أن الأشهر الأخيرة، حملت معها رغبة عدة دول عربية في اعادة علاقاتها مع نظام بشار الأسد، عبر عقد اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري، تأتي هذه التحولات ضمن جهود عربية تُبذل لمحاولة إنهاء الأزمة السورية.
وبالرغم من أن مرحلة المفاوضات الدائرة بين مستويات عليا من الحركة وأقطاب النظام السوري وصلت لمراحل متقدمة ، لكن الخروج بإعلان عن عودة رسمية لهذه العلاقة بحاجة للمزيد من الوقت والنضوج وقراءة جيدة لمألات هذه العودة ضمن إطارها الصحيح وبشكل يضمن مصالح الطرفين، في ظل المعادلات السياسية الجديدة، وبنظرة عابرة على الأوضاع الحالية فحتى لو عادت العلاقات بين حماس وسوريا فان تكون كما كانت عليه قبل 11 سنة في ظل تغيرات سياسية واقتصادية وحتى امنية داخل سوريا على مدى سنوات القطيعة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here