انتفاضة النساء في الدول الاسلامية

كامل سلمان

في افغانستان تجمعات نسائية يومية لرفض نظام الشريعة وفي ايران النساء يقودن الانتفاضة وفي السعودية اصبحت للمرأة كلمتها بعد معاناة ، يبدو ان نظام الشريعة لا يتم اسقاطه الا عن طريق النساء ، فالنساء تحت ظل نظام الفقهاء اصبحت معاناتهن لا تطاق ، وهذا ما بينته الاحداث في ايران اخيراً ، في مصر لعبت المرأة دوراً ريادياً في اسقاط نظام الاخوان بعد ان عانت الأمرّين ، فعلى الرجال اليوم ان يقفوا في الصف الخلفي فقد اثبتوا عجزهم عن فعل اي شيء امام جبروت الانظمة الوحشية ، الكلمة اليوم للنساء ، والقادة الدينيين يعلمون علم اليقين ان استمرارية الانتفاضة النسوية يعني السقوط المؤكد لأنظمتهم . الحقيقة أنا استغرب من رجال الدين ، لماذا يريدون اعادة تجربة حظوظهم بقيادة الدولة وهم قد فشلوا من قبل الف مرة ، فشلوا في ظروف لم يكن للعلم او التكنلوجيا وجود بهذا الحجم الحالي ، فشلوا في ظروف لم يكن هناك شيء اسمه اعلام وصحافة ورأي حر ، فشلوا في ظروف لم يكن للمرأة دور اساسي في قيادة المجتمعات ولم يكن للمرأة حقوق مثلما موجود اليوم ، بعد ان اقرت المنظمات الدولية والمجتمع الإنساني نظام حقوق المرأة والطفل وحتى حقوق الحيوان والبيئة . هل يعقل ان تحرك رجال الدين جهات خارجية للتسلية بهم والضحك عليهم ام ان عقولهم صغيرة بحيث لا تدرك الحقائق والنتائج ومدى ما حققته المرأة من انجازات علمية وسياسية وادبية وغيرها . ان نقطة الضعف في نظام الشريعة هو اضطهاد المرأة ، مع العلم ان المرأة اليوم هي رهان النجاح لأي حكومة ولأي نظام سياسي ، وقد اغفل المشرعون الذين يحاولون فرض الدين كنظام حكم تغيرات الحياة وتغير المجتمعات فوضعوا المرأة في نفس الخانة التي كانت تعيشها في عصر الغزوات والجواري ، وهاهي المرأة تدافع عن حقها اليوم وتنتفض وليس من سبيل امام هذه الانظمة الا القتل والتنكيل والاعتقالات ضد النساء وهذا خطأ ما بعده خطأ لأن قتل المرأة يعني قتل الاولاد يعني قتل المجتمع كله فبهذا التصرف يستعجلون سقوطهم او يذهبون الى الخيار الثاني وهو تغيير نظام حقوق المرأة وتشريع قوانين جديدة تلبي حقوق المرأة وهذا يعني التنازل عن نظام الشريعة والهزيمة المبكرة ، فالخياران احلاهما مر ، وبأختصار الانظمة الدينية نظرياً سقطت ولم تعد تقوى على البقاء ، لأن في تشريعاتهم لم يلتفتوا الى دور المرأة المعاصرة في الحياة المدنية وحسبوها كائن متدني فكتبوا نهايتهم بأيديهم .
المرأة اليوم ايقونة التطور للمجتمعات الإنسانية واي تهميش لدورها يعني ازهاق لروح التطور ، ولا يستطيع قادة الانظمة الدينية تفعيل دورها بسبب خضوعهم للنصوص الفقهية التي ابتدعوها في ازمنة مظلمة بالرغم من ان حقيقة الدين هو المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق ولكن المشرعين لا يستسيغون ذلك لأنهم ورثوا تعاليم السلف الصالح وهي ان تكون المرأة دمية جنسية لا اكثر . المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا على مستوى القادة الدينين وعلى مستوى عامة الناس المتدينين بخصوص المرأة هو عدم القدرة على تمييز ما هو من صلب التعاليم الدينية وبين ما هو مرتبط بالقوانين المجتمعية ويحسبونها كلها من الدين او منسوبة للدين فلا يستطيعون استيعاب وفهم ان الكتاب المقدس مثلاً هو كتاب التعاليم الاخلاقية وليس كتاب ازياء لمتابعة زي المرأة او الرجل ، لذلك اختلطت القوانين المجتمعية مع التعاليم الدينية فولّدت لنا تشكيلة من الافكار المتناقضة بخصوص المرأة ، فما هو ذنب المرأة ان تدفع ثمن هذا الانحطاط الفكري المختلط وتكون ضحية تشبث مجاميع من الجهلة يظنون انهم يحكمون نيابة عن الرب .. ليس من عادة المرأة في اي مجتمع من مجتمعات الدنيا ان تقود الانتفاضات ضد انظمة الحكم ، ولكن حدوث ذلك في المجتمعات الاسلامية تحديداً دليل مقدار الظلم الذي تتعرض له المرأة ، وهذه سابقة خطيرة تشير الى مدى ظلامية هذه الانظمة ومدى تخلفها بحيث تجعل المرأة التي بطبيعتها اكثر الناس التزاماً واحتراماً للدين تتمرد وتنتفض وتصرخ بأعلى صوتها ضد هذه الانظمة ، هذه الصرخات ستجعل منظري السياسة الدولية يعيدون النظر الف مرة في دعمهم لبقاء هذه الانظمة . من حق المرأة ان تمارس نشاطها الاجتماعي والسياسي والعلمي وقد اثبتت جدارتها والمرأة في المجتمعات الاسلامية ليست اقل شأناً من المرأة الغربية التي تتفوق كثيراً على الرجل في مجالات مختلفة ، فلماذا هذا الحيف وكيف سيتم بناء الاوطان تحت ظل هذه العبودية المقيتة التي تجعل من المرأة كائن ثانوي . . اصحاب النظرية الدينية في الحكم يصورون الانتفاضة النسوية على انها مناداة للتمرد على الفضائل الاخلاقية وانها تحركات مدعومة من قوى دولية معادية للإسلام ويحاولون اضفاء طابع الدعوة الى الاباحية على طبيعة هذه الثورات في محاولة لطمس حقيقة اقتدار المرأة على التغيير المطلوب ، وبنفس الوقت تقوم هذه الحكومات بتأليب امواج القطيع من الجهلاء للإجهاز على الانتفاضات النسوية ، والجهلاء هم اقوى سلاح يعتمدون عليه القادة الدينين بل هو السر وراء ديمومة بقاءهم في السلطة ، وفي حال فشل هذا السلاح لم يتبقى امام القادة الدينين سوى رفع الراية البيضاء واعلان الاستسلام ، وهم مترددون في استخدام هذا السلاح لسبب بسيط هو انهم يعرفون ان هؤلاء القطيع تحكمهم عادات اجتماعية وليست قوانين دينية وهذه العادات لا تسمح لهم ان ينتهكوا حرمة المرأة او يمسوها بسوء ، وهذه اصعب معضلة تجعل قادة الحكومات الدينية في حيرة من أمرهم . . هناك فرق كبير بين التمرد على الدين والتمرد على رجال الدين ، فالنساء المنتفضات على نظام الشريعة غالبيتهن متدينات وملتزمات بالتعاليم الدينية ولكنهن على قناعة ان الدين جاء لتحرير الناس من الظلم وهذا سر انتشار ونجاح الدين بين الامم ، وانهن يعتقدن ان سلوك رجال الدين مخالفة تماماً للتعاليم الدينية لذلك فأن المواجهة مع رجال الدين هو تطبيق للتعاليم الدينية في مواجهة الظلم وتحرير الإنسان ومع استمرار الثورات النسوية سيدرك الجميع أحقية هذا التوجه التي قامت بها نسوة المجتمع الاسلامي . المرأة اليوم طبيبة ومعلمة ومهندسة واستاذة جامعية ومحامية واديبة وفنانة و ام وزوجة وربة بيت ورياضية وهي تشارك الرجل هموم الحياة ، عملية عزلها يعني عزل نصف طاقات المجتمع وهذا الشيء يستحيل قبوله ولا يمكن ان يستمر في هذا العصر ، المنتفضات اغلبهن من الحائزات على شهادات دراسية فهن يتصرفن عن وعي وإرادة وقد يكون وعيهن ارقى من وعي القادة الدينين ، فالمواجهة محسومة لصالح تلك النسوة الغيورات على وطنهن و دينهن وعلى ابنائهن رغم التضحيات ورغم المعاناة وهذا مالا يستوعبه القادة الدينين الجهلة الذين يظنون بأن العنف سيجعل الميزان يميل كفته لصالحهم . الصراع مع الجهلة صراع متعب خاصة عندما تكون موازين القوة بيد الجهلة . العلم لا يستسلم للجهل مهما حاول الجهل والتخلف ذلك ، فالعلم نور واشعاع نوره لابد ان يزيح الظلام ان لم يكن اليوم سيكون غداً .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here