الموسيقى والغناء في العصر العباسي

الموسيقى والغناء في العصر العباسي * د. رضا العطار

ان ما حدث في العصر العباسي قد عرف ما يشبه ذلك الطافح بالتقدم والرقي، ذلك ان الموسيقيين العراقيين لم تكن فكرة الرموز قد اغرتهم الى تداولها، لانهم اعتبروا الحانهم شيئا يدخل في نطاق السرية، علما ان في العراق كانت جماعات ومدارس تتداول الاعمال الخاصة بالغناء والموسيقى من المدرس والتلميذ ويبدو ان الشواهد قد قادتنا الى اليقين بان الموسيقى بقيت تتنافل عبر المذاكرة والسماع. في العراق والحجاز والشام وغيرها – – – فانه لم يصل الى عصرنا ما يدل على وجود (نوتة) موسيقية. وكل ما تيسر لنا معرفته هو عروض الشعر ثم الاصبع والايقاع اللذان غنى بهما الموسيقيون العظام في العصر الاموي – – –

وقبل الدخول الى ساحة العصر العباسي نجد من الضرورة التنويه على ان عرب الحيرة وغسان في العراق عرفوا السلم الفيثاغوري – – – وان بقي عرب الحجاز محتفظين بالسلم القديم من ( الطنبور الميزاني ) وربما دخلت بعض بدايات تذوق السلم الفيثاغوري في الوقت الذي ادخل فيه النضر بن الحارث (العود) من الحيرة في العراق حوالي نهاية القرن السادس.

واذ تخبرنا احدى رسائل الفيلسوف الكبير الكندي، ان سلم اسطوخوسيا البيزنطي مخالف لسلم العرب وربما كان السلم الفيثاغوري اكثر ثباتا وصرامة بسبب هذا التاثير البيزنطي – – – وفي كتاب العقد الفريد يقول (لند) لم تطرد الواردات الرومية الموسيقى الوطنية وانما قامت على اصل عربي له خصائصه.

وتظهر السمات الاصلية للأنغام اللحنية والايقاعية في العصر الاموي في صورة اوضح مما راينا في عهد الخلفاء الراشدين، فنذكر ستة ايقاعات في تلك الفترة:

( الثقيل الاول والثقيل الثاني و خفيفة الثقيل والهز والرمل والرمل الطنبوري ).

وصنفت الاصابع في العزف تبعا لمجاريها فهي اما في البنصر او الوسطي او الوسطى او السبابة – – – وكان عددها ثمانية من هذه الاصابع – – – رغم ان كتاب الاغاني يطرح قدرا كبيرا من الاشعار التي كانت تغنى في العصر الاموي

والموسيقى العراقية كما هي في العربية كلها تتشكل من لحنية محدودة المعالم او متشابهة في اللحن. ويبدو ان مرافقة المغني في اغنيته تكون متساوية اذا كان عند المرافقة الالية الموسيقية واحدا او خمسين ألة، فإن هذه الالآت الخمسين او الواحدة لا تعزف سوى لحن واحد، لكن الغناء في العراق خرق هذه القاعدة وذلك بالسماح الى (الزائدة) وهو اصطلاح فني يفضي الى جعل اللحن يتسم بطوابع التزيين والتجميل والحواشي لهيكله الزخرفي – – – ويمكن القول كما يشير بذلك كتاب الاغاني انه ربما تضمنت هذه الاغاني العراقية نغمة اخرى تضرب في وقت واحد كما كان الحال عند الاغريق – =- – وكان التوليف (الفن الحديث للانغام) غير معروف انذاك وكان يقوم مقامه ما يعرف بالتوليف الايقاعي – – – وهو تعدد الانواع الفنية في الضروب والموازين الموسيقية.

وعرفت الالات الموسيقية في العصر الاموي مثل (العود العربي) وظل شائعا حتى منتصف القرن الاول من العصر العباسي اذ ابتكر زرياب عودا يسمى الشبوط.

ومن الظاهر ان العراقيين كانوا يحبون الة الطنبور الى جانب ولعهم بالعود وقد شاع استعمال الطنبور في الحجاز وسوريا – – – وكان هؤلاء الذين لا يزالون يميلون للاغاني القديمة غارقين حتى الثمالة في نغمات الطنبور الميزاني بسلمه الغريب الى جانب آلات اخرى مثل الجنك او الصنج، بل اخذ الفنانون العراقيون يكثرون من استعمال الالات الهوائية الخشبية مثل المزمار الذي يعزف لحن الاغنية مع مرافقة ودودة من آلة العود الى جانب الطبل والدف لتمييز الايقاع وضروبه المختلفة.

وكان في الموسيقى الحربية النصيب الاوفى في الطبول والكوسات لوضوح التعبير فيهما من دون ان يتلاشى. (

* مقتبس من كتاب حضارة العراق لعادل الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here