صورة لعراق الغد على ألسنة شبان مبدعين: سينما.. موسيقى.. فوتوغراف


2023-01-14

ذكرت صحيفة “آيرش تايمز” الأيرلندية أن الفنانين والمبدعين في العراق اصبح بامكانهم ان يقدموا قصة العراق واحتمالات مستقبله من وجهة نظر عراقية، مستعينا بشهادات مخرج وموسيقية ومصور، بعدما ظل لسنوات محكوما بالرؤية الغربية الصرفة لصورته.

ولفتت الصحيفة الايرلندية في تقرير لها ترجمته وكالة شفق نيوز؛ انه بعد عقود من كبح ميدان الإبداع في العراق، أصبح البلد على استعداد الآن ليقدم روايته الخاصة، مذكرا في البداية إعلان واشنطن العام 2003 بدء غزو العراق فيما لم يكن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد وقتها أن يقول ما اذا كانت ستستمر “خمسة أيام أو خمسة اسابيع او خمسة أشهر”، وأنها بالتاكيد لن تتواصل اكثر من ذلك.

واشار التقرير الى ما آلت إليه الحرب وتداعياتها المؤذية حتى الآن على الدولة، فيما اتضح انه الإخفاق الأكبر في تاريخ الجيش الأمريكي، واضطر الشعب العراقي الى دفع ثمن باهظ، مضيفا أنه برغم ذلك، فإن العالم لم يستمع فعلا الى القصة من وجهة نظر العراقيين انفسهم، حيث ان معظم الروايات المرتبطة بالحرب حول العراق كانت من إنتاج الغرب.

وفي هذا الاطار، اشار التقرير الى ان الفنانين العراقيين واجهوا ضغوطا هائلة طوال عقود، ودفعهم انهيار الميدان الإبداعي بعد الغزو الامريكي، الى حافة الهاوية، كما ان الفنانين ورواة القصص تعرضوا قبل ذلك الى القمع على يد نظام صدام حسين، ثم إن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة قبل ذلك، بعد غزو الكويت العام 1990، تسببت في سحق المجتمع.

وبحسب التقرير، فإن الانتفاضة التشرينية في العام 2019 كانت بمثابة لحظة حاسمة، حيث نزل الشباب الى الشوارع للاحتجاج على الفساد، ثم من اجل الاطاحة بالنظام، مشيرا الى نجاحهم في عرض قضيتهم من خلال نشر الصور ومقاطع الفيديو الحية وتحويل نفق السعدون عند ميدان التحرير الى معرض فني حافل برسائل تعكس التحدي والأمل، بينما انتشرت القصص المتعلقة بالوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة.

احمد ياسين الدراجي ( 36 سنة) – مخرج فيلم

وذكر التقرير أن الدراجي في فيلمه “الحدائق المعلقة” يصور العراق كما لم يراه احد من قبل، ويختزل 20 سنة من الاضطرابات بدمية جنسية مصنوعة من السيليكون ترتدي “بيكني” مزين بالنجوم، وملقاة وسط مكب للنفايات اشتعلت فيه النيران.

ويلفت التقرير إلى أن قصة الدراجي تحمل “اعجوبة” صغيرة حيث انه في ظل الفوضى الناجمة عن الغزو الأمريكي، تعرض للخطف من جانب مرتزقة مرتين واصيب بطلقة نارية في ساقه. ويشير إلى أنه في حالة اختطافه الثانية، جرى “بيعه” للجيش الأمريكي مقابل 700 دولار، ثم تم احتجازه لمدة 10 ايام في قصر الزهور في بغداد والذي كان موقعا لتعذيب كبار البعثيين.

وذكر التقرير ان الجيش الامريكي اتهمه بانتاج افلام لتنظيم القاعدة، وأنه خلال احتجازه، زعم أنه شاهد صور الانتهاكات المهينة بحق السجناء في معتقل أبو غريب قبل انتشارها في نيسان/ ابريل العام 2004 والتي أثارت صدمة حول العالم، حيث يشير الدراجي الى ان ان عسكريا أمريكيا جعله يشاهدهم على جهاز كمبيوتر محمول مهددا اياه بالقول: “هل تريد ان تكون مثل هؤلاء الأشخاص؟”.

واوضح التقرير انه من حسن حظ الدراجي ان مخرجا هولنديا يتعاون معه، تحرك لتأمين إطلاق سراحه.

وتابع أن مجلة “ايسكاوير” اختارت الدراجي مؤخرا باعتباره أحد ابرز المواهب السينمائية والتلفزيونية الشابة الواعدة في العالم العربي، بعدما نال جائزة أفضل فيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي.

ولفت التقرير إلى أن حياة الدراجي كان ستكون شيئا مختلفا لولا هذا التدخل من جانب المخرج الهولندي.

ويشير التقرير إلى أن الدراجي تأثر بغضب وذهول من فيلم “القناص الأمريكي” للممثل برادلي كوبر، والذي يعتبر القناص الاكثر شهرة في القوات الامريكية، وله مشهد يتباهى فيه بجاذبيته الجنسية عندما كان يطلق النار على عراقيين، تم تصويرهم على أنهم مشبوهون.

ويشير عنوان فيلم الدراجي الى الى حدائق بابل المعلقة، التي أقامها الملك نبوخذ نصر الثاني لزوجته الفارسية، وهو ما يتضمن اشارة الى النفوذ الأجنبي في العراق.

وتحدث التقرير عن حياة الدراجي مشيرا إلى أنه ترعرع في اسرة شيعية محافظة في مدينة الصدر، وكان والده وهو شيخ محلي يتمتع بالنفوذ، يرغب في أن يتخصص ابنه في الطب، ولكن عندما كان طبيبا تحت التمرين، رفع في احد الايام البطانية من على نقالة ليجد امامه أشلاء جثة محترقة بفعل تفجير انتحاري، وانتقل بعد هذه الحادثة فورا الى عالم السينما.

ونقل التقرير عن الدراجي وصفه صناعة الأفلام في العراق بانها مثل “حقل ألغام”، ووصفه لفيلمه “الحدائق المعلقة” أنه يسلط الضوء على مجتمع مسلح ومفرط الذكورة يمزقه الصراع الطائفي، بينما النساء لا مكان لهن بشكل ملحوظ.

وينقل التقرير عن المخرج العراقي قوله إنه من الصعب في الوقت الحالي ان تعرف اين هي وجهة العراق، مضيفا ان “ما جرى بعد العام 2003، هو اننا وصلنا الى نقطة الصفر”.

قمر العاني (22 سنة)، موسيقية

وحول المصور الشابة قمر العاني، قال التقرير إنها كانت لا تزال في المدرسة الثانوية عندما وصل تنظيم داعش إلى أبواب بغداد في العام 2014، وأصبحت بمثابة سجينة في منزلها وتبعد نصف ساعة فقط عن خط الجبهة في ابو غريب، وتخشى الذهاب الى المدينة.

وتتحدث العاني كيف كانت تمضي الكثير من الوقت بذعر في ذلك الوقت وهي تحاول العثور على مكان إخفاء حبيبها المتمثل بآلة “السنطور” الموسيقية التراثية والحاصلة عليها من مدرستها، من اجل ان تتعلم الغناء القديم من العصر العباسي في منزلها.

وينقل التقرير عن العاني قولها “انني كنت مسجونة نفسيا” مشيرة أن انشغالها الدائم في مكان إخفاء آلتها الموسيقية وخشيتها من أن المهاجمين قد يقتلونها ويحطمون الالة.

ولفت التقرير الى ان التنظيم الارهابي الذي لا يزال يشن تمردا محدودا، لم يتعرض للهزيمة تماما، مضيفا أن الايام المظلمة منذ العام 2014 اصبحت من الماضي.

وتابع التقرير ان العاني وزملائها من الموسيقيين، يقودون الآن تحركا لاحياء التراث الموسيقي، ويعزفون مقطوعات تعود إلى القرن الثامن الميلادي، عندما كانت بغداد قلب العصر الذهبي للاسلام.

ولفتت العاني إلى أن موسيقى المقام العراقي التي تعزفها كانت تصدح في مقاهي بغداد والبصرة وكركوك والموصل، وان والمؤلفات الموسيقية التي يتم عزفها بمجموعة من الآلات القديمة، بما في ذلك السنطور والعود، لها جذورها التي تربطها بالشعر العراقي والتصوف الصوفي، وتعزف نغمات حزينة من الكابة والرومانسية، الا ان الحرب كادت أن تدمر هذا التراث الثقافي الغني.

والآن، يقول التقرير؛ إن الموسيقيين من الشباب يحاولون إعادة إحياء موسيقى أسلافهم من تحت الرماد، قبل ان يفوت الاوان على ذلك. وتقول العاني التي تشارك في فرقة اوركسترا التراث الموسيقي الوطني، “نريد ان نحمي الفن والتراث العراقي، والموسيقيون العراقيون هم فقط من بامكانهم عزف هذه الموسيقى. إذا لم نتمكن من أداء هذه الموسيقى، فلن تبقى حية”.

وبعدما لفت التقرير الى ان الصراع الطائفي والتطرف الديني، تسببا في تهميش الموسيقى، نقل عن العاني قولها: إن “العديد من الناس في العراق لا يزالون يعتقدون أن الموسيقى حرام”، مضيفة أن “العديد من الناس تحولوا الى الدين لانهم اعتقدوا انه سيغير الامور للافضل في حياتهم”.

وتشير العاني إلى ان كونها موسيقية يشكل تحديا في العراق، حيث ان افراد من عائلتها من المحافظين دينيا، حاولوا اقناع والدتها بمنعها من ممارسة الموسيقى، لكن العاني تنشر معزوفات موسيقية بشكل دائم على حسابها على “انستغرام”.

الا ان العاني تشعر انه صار بإمكانها الآن أن تتنفس مجددا، وتعزف مقطوعة قديمة من تراث ما بين النهرين، ترجع الى حفل زفاف نبوخذ نصر في العام 630 قبل الميلاد.

وتصف العاني ذلك بأنه “صوت الحضارة، مضيفة أنه “بعد كل الامور التي جرت هنا، فإن اغاني البوب ​​سخيفة وفارغة وبلا مشاعر”.

ايمن العامري (27 سنة) – مصور

وذكر التقرير أنه بالنسبة لأيمن العامري، فان التقاط الصور بالأبيض والأسود كان خيارا طبيعيا، مضيفا أنه بعد الغزو عام 2003، فإن عالمه تحول كله الى اللون الاسود.

واشار التقرير الى ان العامري كان صبيا صغيرا في ذلك الوقت، وهو لا يزال يذكر كيف تحولت السماء إلى اللون الأسود عندما احرق صدام حسين النفط حول بغداد للتشويش على أهداف محتملة قد تتعرض للغارات.

وتابع التقرير؛ أن الشوارع والمباني ووجوه الناس كانت سوداء بسبب الدخان، وكان كل الناس من حوله حزينيين حيث يرتدي المعزون الملابس السوداء لمدى 40 يوما بعد وفاة من يحبون.

ويقول العامري أنه “لم يكن هناك لون بتاتا. كان كل شيء اسود، اسود، اسود”.

ولهذا، يقول التقرير انه ليس غريبا ان تكون الصور المعروضة في معرض “بغداد غازيت”، تتسم بالكآبة.

يحث “بغداد غازيت” على محاولة جعل الناس يفكرون في قضايا مثل الصحة والفقر والتغيير المناحي، بعدما توقف الناس في العراق عن استخدام خيالهم وتوقفوا عن الحلم.

وينقل عن العامري قوله يقول العامري قوله إنه “مع بغداد غازيت، نسعى الى القول للناس: دعونا نفكر ونحلم، وانه لدينا الامل مرة اخرى”.

واوضح التقرير ان العامري تعرف على التصوير الفوتوغرافي من قبل والده الذي بدأ بتوثيق الحياة اليومية بعد غزو العام 2003. وكان العامري وقتها في السابعة من العمر، لكنه ساعد والده في التصوير من داخل المنزل وحول بغداد، حيث رصد العديد من المواقف، مثل نقص المياه وانقطاع التيار الكهربائي وشح الطعام وخوف الناس وجنونهم.

ولفت التقرير الى ان العامري استوحى إلهامه من مصورين محليين مثل الراحل نديم رمزي الذي عرف بصوره التي توثق الحياة في العراق منذ الخمسينيات فصاعدا. وينقل التقرير عنه قوله إن “أفضل المصورين العراقيين هو الذي يظهر كيف يمشي الناس ويتحدثون ويأكلون، ويظهرون كيف يتغير الناس”.

ترجمة: وكالة شفق نيوز

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here