لماذا يخشى المواطن عناصر الدولة ؟

بقلم ( كامل سلمان )

في بلد مثل العراق وقد يكون الحال نفسه في معظم دول العالم الثالث ترى المواطن الذي له مراجعة مع احدى دوائر الدولة يخشى الموظف لأن الموظف قادر على تدمير تلك الاوراق التي بين يديه وبالتالي التأثير سلبا على حياة المواطن وكذلك نجد الخوف من رجال الدولة قاطبة وخاصة العناصر الامنية والسبب هي الصلاحيات المناطة برجال الدولة وقدرتهم على إيذاء المواطن ، وهذا الخوف يبقى مصاحبا للمواطن امام اي موظف بسيط في الدولة او منتسب امني لذلك يسعى المواطن الى إرضاء عنصر الدولة بأية وسيلة كانت وابسطها هي الرشوة ، طبعا هذه الحالة نجدها العكس تماما في الدول المتقدمة حيث نجد ان عناصر الدولة وخاصة الموظفين منهم يسعون الى إرضاء المواطن بخدمة ممتازة مع إبتسامة عريضة وتسهيل الامور الى اقصى حد ممكن والسبب ان القانون يسمح للمواطن بمحاسبة الموظف قانونيا عند التقصير وقد يطرد الموظف بسبب عدم تقديمه الخدمة المطلوبة للمواطن وكذلك نجد رجل الامن او الشرطة يتعامل مع المواطن بكامل الاحترام والتقدير لأن المواطن يبقى هو صاحب السلطة العليا بعد القانون ،،، وهذا يعني ان القانون هو من يعطي القيمة والاحترام للمواطن ، والقانون لا يمكن تنفيذه الا بوجود من ينفذ القانون وبحرفية وبما ان التلاعب ممكن في القانون فقد سعت حكومات الدول المتقدمة بوضع ضوابط يلتزم بها الموظف إضافة الى متابعات من قبل المسؤول عن الدائرة او المؤسسة ، وهناك عناصر تابعين للدائرة يتابعون الاضابير التابعة للمواطنين وتلك العناصر تابعة بنفس الوقت لدوائر عليا خاصة غير معروفة ، واذا حصل اختراق بسبب اهمال الموظف او المسؤول تجد من يحاسب ذلك الموظف او المسؤول دون حاجة المواطن الى الشكوى لأن ذلك هو عملهم، يفعلون ذلك رغبة منهم في علاج اي خلل في هيكلية المجتمع والدولة لأنهم يعلمون تماما ان الشرخ الذي يحدث في مكان معين سيتوسع بسرعة الى اماكن اخرى ثم يتبعه الفساد والمحسوبية والتخلف وجميع ما يسمى عوامل الضعف والانحلال للمجتمع والدولة .. في احدى المراجعات قال لي صديق انه حصل عنده خطأ في الحسابات المالية مع احدى المؤسسات الحكومية ، فقد كان المفروض ارجاع بعض المال لحسابه المصرفي كما قال ، ولكن تلكأ معين حصل لذلك المال ، وبعد مرور اكثر من شهرين يقول صاحبي اتصل بي شخص مجهول فأخبرني انه يعمل لصالح جهة رقابية وانه ارسل لي رسالة بريدية رسمية تبين لي سبب تأخير ارجاع المبلغ المطلوب ارجاعه لي ، وفي اليوم التالي فعلا استلمت الرسالة مختومة بختم حكومي ، يذكر فيها المرسل ان الجهة الرقابية اكتشفت تقصير احد الموظفين هو سبب تأخير ارجاع مستحقاتك لذلك تمت معاقبة الموظف المختص وقرار الدائرة تعويضك بمبلغ من المال عن التأخير ، الرسالة مع شيك بأسمي ( المبلغ المطلوب زائدا مبلغ التعويض ) وختمت الرسالة بأن لي الحق في مقاضاة الموظف المسؤول والدائرة التابع لها او السكوت والرضا بالتعويض . هكذا اصبحت هذه الدول متقدمة عندما جعلت حق المواطن فوق كل شيء ، فالقانون متى ما أحترم الإنسان فإن الإنسان سوف يبدع ويخلص ويضحي ويشعر بالحب للوطن وللقانون وللمجتمع … نحن لا نستطيع قانونيا او اخلاقيا او دستوريا مقارنة انفسنا بهؤلاء لأن هؤلاء لا يعطون العمل الا لمن يستحق ذلك العمل يعني بالمثل العراقي ( اعط الخبز للخباز ) بينما في مجتمعاتنا نعطي العمل لصاحب القوة والواسطة والمحاباة والسبب وراء كل ذلك هو الجهل الاداري والاجتماعي بالاضافة الى ضعف استيعاب معنى حقوق الإنسان ومعنى ان الدولة هي انا وانت ، فنحن مجتمع لا يعرف معنى حقوق الإنسان فقط نعرف معنى حقوق المسؤول ونعرف واجبات الإنسان وليست حقوقه .
انا لا أريد الاكثار من النقد لمجتمعنا لأن التخلف العلمي والتقني والمدني والإنساني والصحي هي العلامة الفارقة لمجتمعاتنا ولكن يحز في نفسي ان اتساءل اين مكمن العلة كي نستطيع توفير العلاج ؟ لأنه عار علينا ان نستمر في طريق الخطأ ولا نصحح . نتكلم طوال الوقت عن إنسانيتنا وحضارتنا وديننا وشموخنا وهيبتنا وكأننا مازلنا اطفال ذلك الجيل المتخلف ، فلماذا هذا التكابر ؟ هل ان هذا الواقع هو الذي يليق بنا ولا نستحق اكثر من ذلك ؟ ام اننا لا ندري بأننا الاسوأ ونتوهم غير ذلك ؟ اتدرون ماذا يعني ان المواطن يخشى الموظف او اي عنصر امني في الدولة ، يعني اننا في دولة عصابات وليست دولة دستور ، يعني ان المسؤول الاول في الدولة هو رئيس اللصوص ، يعني ان تركيبتنا الدينية والاجتماعية والعشائرية والفكرية كلها قائمة على اساس غير صحيح ، يعني اننا نعيش في مستنقع التخلف ، ولكننا نحاول ان نحصر الخطأ في اشخاص محددين كي نبرأ الاخرين ونبرأ أفكارنا وسلوكنا وعاداتنا حتى نستطيع الحفاظ على الموجود ويستمر الوضع كما هو لأننا في ارض الانبياء والاولياء ونحن اول من اوجد الكتابة ونحن ونحن ونحن وهلم جرا ، وهذا هو عيبنا الأكبر . والاكبر من ذلك لا نعترف بعيوبنا ، لأن الاعتراف يعني التخلي عن كل شيء قائم وهذا مالا يرضاه رجالات ديننا ورجالات عشائرنا ورجالات دولتنا ، فأين يذهبون وهم قد توارثوا هذا النعيم المقيم ، وورثوا طبقات من الناس العبيد الذين لا يرغبون التحرر ويعتبرون العبودية والذلة قدر الله ، رغم ان الله حاباهم بكل مستلزمات الحرية واسباب التخلص من العبودية ، لكنهم استذوقوا المهانة و أستلذوها ولسان حالهم ، فهل نحن مجانين ان نفكر في التغيير ؟

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here