“سومريات” فرقة نسائية تنتصر لحضارة قدست المرأة والموسيقى


تجربة فريدة في العراق والمنطقة وتهدف إلى إحياء التراث بالاعتماد على العزف والغناء الجماعي والمنفرد
غفران يونس صحافية
على أنغام الأغنيات التراثية العراقية صدحت أصوات فرقة “سومريات” في المسرح الوطني ببغداد لتعلن في حفلها الأول عن انطلاق تأسيسها. وعلى مدار أكثر من ساعتين كانت أوتار حفيدات شبعاد، الملكة السومرية التي عرفت بعزفها للقيثارة، تنتقل برشاقة بين النتاج النغمي العراقي إلى كلاسيكيات الموسيقى العربية لتعزف أغاني عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وفيروز.

تضم فرقة “سومريات” 50 عازفة من خريجات وطالبات معاهد وكليات الموسيقى في العراق، حملن أحلامهن وأوتارهن ليشكلن ظاهرة موسيقية هي الأولى من نوعها في العراق، ويقدمن لوحات نغمية تظهر مهارتهن في العزف والغناء.

فرقة “سومريات” التي استوحت الاسم من الحضارة السومرية زاوجت بين آلات التخت الشرقي والآلات الغربية لتقدم التراث الغنائي بأسلوب يحافظ على أصالته، ويقترب في الوقت ذاته من التجديد.

خصوصية التجربة

أسهم مؤسس وقائد فرقة “سومريات” (المايسترو علاء مجيد) في تأسيس أكثر من فرقة موسيقية وغنائية، من بينها فرقة “طيور دجلة” التي أسسها في السويد، وضمت مجموعة من النساء من غير الدارسات للفنون الموسيقية لإنشاد أغانٍ عراقية تراثية، وكذلك أسس أكاديمية الموسيقى العربية في لندن، وضمت مطربين من جنسيات مختلفة.

يقول مجيد لـ”اندبندنت عربية” إن “لكل فرقة بصمتها وخصوصيتها، وما تمتاز به فرقة (سومريات) أنها تضم عازفات ومطربات من الدارسات للموسيقى بشكل أكاديمي، وتكاد تكون التجربة الفريدة في العالم العربي، فما هو موجود في المنطقة، كما هو الحال في تونس، هو (كورال نسائي)، كما أن الثقل الأكبر في أعضاء الفرقة هو للدارسات في الأكاديميات الموسيقية، فلا يمكن أن يكون العازف متميزاً إلا إذا كان دارساً للموسيقى”.

أول نص غنائي

تكشف المصادر التاريخية عن أن الموسيقى كانت حاضرة في وادي الرافدين وعبر مراحل حضارتها السومرية والأكدية والبابلية، وكانت جزءاً من عبادة سكان العراق وطقوسهم الدينية المختلفة، واهتم بها ملوك العراق القدامى، ووضعوا مناهج لدراستها، وتؤكد ذلك الرقوم الطينية التي عثر عليها، وتضمنت نوتات موسيقية ونصوصاً غنائية وأخرى رياضية تتعلق بالسلم الموسيقي، كما ضمت تدويناً لأول نص غنائي عده المؤرخون “أول أغنية حب في التاريخ”.

وتأكيداً لهذا الإرث التاريخي سعت الآثارية جمان السامرائي، إحدى مؤسسات فرقة “سومريات” والمسؤولة الإعلامية عنها، إلى أن يعكس اسم الفرقة هذا البعد التاريخي. تقول، “العراق هو مخترع الموسيقى، وفيه دونت أول نوتة موسيقية، كما أن الحضارة السومرية قدست المرأة قبل 5200 سنة بأن جعلتها إلهة تعبد، فكان لا بد أن نستعيد هذا الإرث التاريخي لنمنح الفرقة اسم (سومريات) تأكيداً للحضارة العراقية القديمة التي قدست المرأة والموسيقى”.

التوجه إلى آلات التخت الشرقي

ترى سارة بيان، عازفة آلة “الطار” أن “هناك اتجاهاً من الفتيات لتعلم الآلات الشرقية بعد أن كانت الآلات الغربية لها الحصة الأكبر للتعلم، بخاصة أن دول الغرب بدأت بتدريس الآلات الشرقية، فأصبح المجال واسعاً الآن للعزف عليها، كما أن نظرة المجتمع بدأت تتغير، وأصبح من الطبيعي أن تلجأ الفتاة لتعلم آلة العود أو القانون أو أية آلة شرقية أخرى”.
وتوضح عازفة القانون هويدا حنا، إحدى عضوات فرقة “سومريات” والأستاذة في معهد الدراسات الموسيقية، أن هناك ذائقة موسيقية بدأ يتسع مداها، وأصبح هناك تقبل من المجتمع لوجود المرأة كعازفة ودارسة للموسيقى، معتبرة أن إقبال الجمهور على الحفلات يثبت ذلك.

وفي السياق نفسه تشير عازفة الناي والفلوت علا ضياء خريجة مدرسة الموسيقى والباليه، إلى أنه “على رغم أن تأسيس الفرقة لم يعلن خلال فترة الإعداد والتمرين، فإننا فوجئنا بنفاد كل التذاكر مع الإعلان الأول عن الحفل، مما يؤكد ويدعم رسالتنا بأن العراق بلد الموسيقى، وهناك من يستمع لكل أنواعها، فهي لغة لا تحتاج إلى ترجمة”.

مشاريع تنتهي بسبب الدعم

غالباً ما تبدأ مشاريع لتأسيس فرق موسيقية، لكنها سرعان ما تتلاشى تحت وقع كثرة العقبات وقلة الدعم، وفي هذا السياق تحدثنا عازفة آلة “السنطور” وخريجة أكاديمية الفنون الجميلة، هلا بسام عباس عن تجارب لفرق موسيقية لم يكن لها نصيب من الدعم الحكومي، مشيرة إلى أنه “قبل عام 2003 أنشئت فرقة (عشتار)، وهي تجربة مماثلة لتجربة (سومريات)، وكانت تضم عناصر نسوية، لكن لم يكتب للفرقة الاستمرار بسبب غياب الدعم، مما دفع العازفات للاتجاه إلى مجالات أخرى بسبب محدودية الراتب”.

وفي الإطار نفسه توضح رئيسة قسم “الجوزة” في فرقة “سومريات”، هزار بسام، أن التزام العازفات والدعم هما الأساس لديمومة عمل الفرقة. وتقول، “مر أكثر من ستة أشهر ونحن نتدرب بجهود شخصية، وما حصلنا عليه من دعم تجسد في توفير مكان لنا للتدريب، إذ خصصت وزارة الثقافة إحدى قاعاتها لذلك الغرض”. وترى بسام أنه من الضروري دعم هذه المشاريع التي تسهم في إعادة التراث الموسيقي، لا سيما أن الفرقة تسعى إلى التوسع وإدخال الغناء الأوبرالي مع البيانو، فضلاً عن التراث العراقي والعربي.

حب الموسيقى

أما عازفة العود والطالبة في معهد الدراسات الموسيقية ريما سرمد فترى أن أساس استمرار فرقة “سومريات” هو “حب الموسيقى، وهذا الشغف هو ما يدفع المشروع إلى الاستمرارية”.

وتشير عازفة “الجوزة” في الفرقة آلينا ريان إلى أن تجربة “سومريات” أكسبتها كثيراً من المهارات، وحسنت من ذائقة استماعها للأغاني التراثية وعزفها بالشكل الصحيح، وتتفق آلينا مع زميلتها ريما على أن الإرادة وحب الموسيقى هما أساس مواصلة


تضم الفرقة عازفات من مختلف الأعمار فأصغر عازفة عمرها 11 سنة ​​​​​​​(اندبندنت عربية)
أما عازفة “الطار” سارة بيان فترى أن الفرق الموسيقية تستمر إذا وجدت الدعم المجتمعي بتغيير النظرة النمطية لمن تدرس الفنون الموسيقية، إذ اضطرت بعد أن أكملت مدرسة الموسيقى والباليه إلى الحصول على تخصص آخر بسبب نظرة المجتمع وصعوبة الحصول على فرص عمل بهذا التخصص.

تنوع الذائقة الموسيقية

اتسعت في السنوات الأخيرة ظاهرة افتتاح مراكز لتعليم الموسيقى للهواة من غير الدارسين لها، فهناك مراكز لتعليم العود، وأخرى للكمان، وفي هذا السياق يرى المايسترو علاء مجيد أنها ظاهرة صحية جداً، وتدعو إلى التنافس، وستدفع المعاهد الموسيقية الحكومية إلى إعادة النظر في طريقتها التعليمية لكي تثبت جدارتها، وتسعى إلى أن تكون أفضل من المراكز الخاصة، إضافة إلى أن تلك المراكز ستسهم في تنوع الذائقة ونشر الثقافة الموسيقية في المجتمع”.

حلم “سومريات” بتحقيق أهم شرط للديمومة والاستمرار للفرقة، وهو الدعم، جاء سريعاً من وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد فكاك البدراني الذي أعلن ضم الفرقة ضمن تشكيلات الوزارة المعترف بها، مما يعني بداية الدعم الحكومي على غرار الفرقة السيمفونية العراقية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, , ,
Read our Privacy Policy by clicking here